أقلامهم

وديعة الكويت

إن دستور 1962 هو وديعة الكويت، وهو ملك للجميع، كل الجميع من أبناء الشعب الكويتي، ولا يملك أحد منا الحق في التفريط بحكم من أحكامه، لا بالإلغاء ولا بالتعطيل أو التأجيل… إلخ. لقد تلقيناه من السلف الكرام، والمحافظة والدفاع عنه هما مسؤولية الجميع حتى ينتقل إلى خلفنا، بإذن الله، ولذلك فحماية هذه الوديعة واجب وطني وليست مسؤولية حصرية بأعضاء مجلس الأمة.

إن طلب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد تأجيل النظر في الاستجوابات المزمع تقديمها هو اعتداء صارخ على الدستور، لما يتضمنه من تعطيل لبعض أحكامه، مما يقتضي رفض هذا الطلب ومواجهته، فآلية العمل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ترتكز على التوازن بين من يملك السلطة ومن يكلف بالرقابة، وعند كف يد أعضاء مجلس الأمة عن الرقابة فهذا سيقودنا إلى اختلال التوازن بين السلطتين لمصلحة السلطة التنفيذية، وهذا جنوح مرفوض فضلاً عن أنه هدم لأركان العمل البرلماني وتقويض له.

وليس تجنياً على رئيس الوزراء، عندما أقول إنه يتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الراهنة، فالأمة عندما ذهبت إلى صناديق الاقتراع في 5 ديسمبر 2020 عبرت عن رغبتها في التغيير والتجديد، ورفضها للمسار السابق بشكل واضح لا لبس فيه. وكان من الواجب عليك بصفتك مكلفاً بالتشكيل الوزاري قراءة رسالة التجديد، التي أفرزتها تلك الصناديق، واحترامها لا مجافاتها، وإنفاذها لا مناكفتها، والتعامل الإيجابي مع الأغلبية التي جاءت بها الأمة، فالمشرع الدستوري عندما فرض العودة لتلك الصناديق بشكل دوري أو غيره إنما أراد الإنصات لرأي الأمة وتجديد المعرفة بتطلعاتها وتوجهاتها ومدى رضاها عن المسار السابق وبيان آمالها المستقبلية. وهذا ما لم تتم مراعاته، بل تم تجاهله، مما أوقعنا جميعاً في المأزق الراهن، ومن هنا تقوم مسؤولية رئيس الوزراء.

لا يكفي القسم على احترام الدستور إن لم تتوافر القناعة التامة بكل أحكامه، بل هو بحاجة إلى ترجمة حقيقية وفاعلة من خلال الإعمال الحقيقي لأحكامه ومذكرته التفسيرية واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، حتى وإن جاءت نتيجة التصويت مخالفة لمصالح أي طرف ولا تحقق مطالبه. إن إنفاذ رأي الأغلبية البرلمانية، مع حفظ حق الأقلية وعدم تهميشها وإقصائها، هو حكم رئيس بالعمل البرلماني وجوهر الحياة الديمقراطية.

لقد شهدت تجاربنا السابقة منذ بداية العهد الدستوري استخدام سياسة الإقصاء المعلن والتفرد بالسلطة، كما في فترات الانقلاب على الدستور (1976 – 1986)، أو في التزوير المفضوح عام 1967، أو الإقصاء غير المعلن في فترات أخرى، وإن هذا الانفراد لم يجرّ علينا إلا الوبال، ولم يتحمل هذا الثمن الباهظ إلا الكويت وشعبها، وهي نتيجة حتمية للممارسات السابقة، وعلى رئيس الوزراء والوزراء وضع ذلك في الاعتبار، فالأمم الحية هي التي تستفيد من تجاربها، ونحن لسنا استثناء من ذلك.

نحن جميعاً دون استثناء لا نمثل كل المسيرة، فهي لم تبدأ بنا وحتماً لن تنتهي عندنا، كما أن خدمة الأمة شرف، ونزول المسؤول عند الإرادة الحقه للأمة لا يزيده إلا توقيراً.

إن التصدي للمسؤولية العامة يقتضي القبول بمبدأ المحاسبة والمساءلة، وبإمكان أي منا أن يختار التحلل من المساءلة متى ما اعتزل منصبه، فلا يمكن الاستمرار في المنصب والبقاء في كرسي المسؤولية دون محاسبة، فالسلطة يجب أن تحدها سلطة أخرى، تراقبها وتحاسبها، وهذا ما رسمه لنا دستورنا، فالمحافظة على أحكامه والعمل بها مقدمان على كل الشخوص والمناصب، والقول بغير ذلك هو الفوضى بعينها التي ستضيع معها وديعة الكويت.

وليد الجري / الجريدة

تعليق واحد

  • نتمنى اتحاد الحقوقيين على قانون ودستور بلا مصالح شخصي. وواتمنى ايضا نواب مجلس الامة ايضا يتحدون على الخير وخدمة الوطن والمواطن الذي اعطاك صوته للاصلا وليس للمصالح الشخصية

أضغط هنا لإضافة تعليق

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد