أقلامهم

د.بدر الديحاني : أخوكم المُرشّح!

رسائل الهواتف المحمولة التي تهل من أشخاص لا نعرفهم يباركون بالعيد ومسبوقة بكلمة “أخوكم”! تحمل إشارة سمجة إلى وجود طموح شخصي للترشح للمجلس كي يحققوا أمجادهم الذاتية ومصالحهم الشخصية، لكنهم يعلنون طموحهم بطريقة بدائية ومزعجة وملوثة للبيئة لا تمتّ لطبيعة العمل السياسي الحقيقي بصلة.

ما إن يحلّ شهر رمضان أو يقترب موعد الأعياد، إلا وتمتلئ شوارع المناطق السكنيّة بإعلانات مدفوعة الثمن، ثم تهلّ علينا رسائل الهواتف المحمولة من أشخاص لا نعرفهم يباركون بالمناسبة، وجميعهم يضعون أسماءهم على إعلاناتهم ورسائلهم الهاتفية مسبوقة بكلمة “أخوكم”!
وفي ذلك إشارة سمجة إلى وجود طموح شخصي للترشح للمجلس كي يحققوا أمجادهم الذاتية ومصالحهم الشخصية، لكنهم يعلنون طموحهم بطريقة بدائية ومزعجة وملوثة للبيئة لا تمتّ لطبيعة العمل السياسي الحقيقي بصلة، ولا علاقة لها بهموم الناس ومشاكلهم المعيشية وقضاياهم العامة أو بطبيعة عمل المجلس الذي يطمحون بكل ما يملكون من قوة ونفوذ وعلاقات شخصية إلى الوصول إليه.

أما في أثناء الحملات الانتخابية فالشعارات المُستخدمة من الغالبية الساحقة من المرشحين والتي تتفنن شركات الدعاية والإعلان في صياغتها هي شعارات غير سياسية ومُضحكة، تصلح لتسويق منتج ما أو سلعة استهلاكية لكنها لا تصلح لحملة انتخابية سياسية.

على أي حال، فإن هذه المظاهر المزعجة والمشوّهة للشوارع والساحات العامة والمُتخّلفة سياسياً، هي في واقع الأمر نتاج للوضع السياسي السيئ، ودليل آخر على تراجعنا الديمقراطي بعد نصف قرن من إصدار الدستور الذي وضع مرتكزات وقواعد بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وكان من المفترض، تبعاً لذلك، أن يتطور نظامنا الديمقراطي في اتجاه النظام البرلماني الكامل، وما يتطلبه من ضرورة وجود قانون لإشهار التنظيمات السياسية التي تقوم على أسس وطنية ثم تتنافس في الانتخابات العامة على برامج وقضايا عامة، وذلك لأنه من غير الممكن الحديث عن دولة ديمقراطية ومؤسسات دستورية في ظل وضع سياسي مُشوّه لا يعتمد نجاح المُرشّح على برنامجه السياسي القابل للتنفيذ، بل على قدراته المالية، وعلاقاته الشخصية والعائلية، وطبيعة وظيفته، أو على ارتفاع حدّة خطاب الكراهية الفئوية والطائفية، ودرجة نفوذ المُرشّح وقربه من الحكومة، ناهيك عن أن معظم من يترشحون ثم يصلون بعد ذلك للمجلس لم يسبق لهم ممارسة العمل السياسي أو العام.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك تشوّه النظام الانتخابي الذي فصّلته الحكومة على مقاسها فترتب عليه انخفاض النسبة المطلوبة للفوز في الانتخابات، حيث فاز في بعض الدوائر الانتخابية من يُمثّل أقل من نصف في المئة من مجموع ناخبي الدائرة الانتخابية، فهل من الممكن بعد ذلك القول إن لدينا نظام تمثيل ديمقراطي حقيقياً ومؤسسات دستورية، وأن عضو مجلس المجلس يُمثّل الأمة بأسرها كما ينصّ الدستور؟!