أقلامهم

فؤاد مطر : الإطلالة الأممية الأخيرة بين العرب وأوباما الشايب

خلال بضعة أيام يبدأ موسم المهرجان السياسي الأممي المتمثل بالدورة السنوية العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتقاطر إلى نيويورك حيث المقر الثابت للمنظمة الدولية وفود من مختلف دول العالم وبمستويات تتراوح بين الذين في قمة السلطة أو مَن يمثلهم للمشاركة في الدورة متحدثين أو لإجراء محادثات في أجنحة الفنادق الفخمة في نيويورك أو في كواليس مقر المنظمة الدولية.

كما أن رموز الدبلوماسية الأممية يجدون في انعقاد الدورة خير مناسبة للوقوف على ما هو جديد من رؤى وأفكار تتصل بالأزمات التي تعصف بأكثرية دول القارات الخمس. والأهم من ذلك هو أن بعض الحكام يغتنمون مناسبة انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة لكي يلتقوا برئيس الولايات المتحدة لإبلاغه ما يرون وجوب إبلاغه شخصيًا، مع ملاحظة أن لقاء الرئيس الأميركي في هذه الدورة سيكون توديعيًا من جانبهم ومن جانب الرئيس باراك أوباما الذي ستكون هذه الدورة هي الأخيرة في سنوات ولايتيْه، فقد بات في مرحلة الاستعداد للانصراف ومن دون أن يفاجئنا كعرب نعيش أكثر الأزمات خطورة، بوقفة إيجابية يفي بها ما وعَدَنا منذ الأيام الأُولى لترئيسه، وبالذات ما يخص صيغة الدولتيْن للصراع العربي – الإسرائيلي.

وقد يباغتنا الرئيس أوباما بالوقفة المأمولة خلال الكلمة التي نفترض أنه سيلقيها مِن على منبر الجمعية العامة، لكن ما جدواها ما دام هو يهم بالانصراف، ليبدأ في العام 2017 وحتى العام 2021 عهد رئاسي ملتبِس لا نستبشر خيرًا به. ونقول ذلك في ضوء ما نسمعه منذ أن بدأت حملة الترشح الرئاسية وكيف أن المفاضلة بين القطبين اللذيْن انتهى إليهما سباق الترشح تندرج ضمن القول التوصيفي «أحلاهما مُر».
واللافت أننا كعرب اتخذْنا موقف النأي بالنفس عن سباق الترشح للرئاسة الأميركية فلم يتم تكليف الجامعة العربية بإجراء اتصالات مع حصان السباق دونالد ترامب وفرَس هذا السباق هيلاري كلينتون، نستطلع منهما ما هما في صدد اتخاذه من خطوات إزاء أوضاع عالقة في المنطقة، وفي الوقت نفسه إبلاغهما مطالب بصيغة التمنيات بأن يتخذ الفائز منهما ما من شأنه طمأنة العرب الحائرين في أمر السياسة الأميركية وبحيث لا ينتهي الموقف الأميركي إزاء المحنة السورية على سبيل المثال مجرد تشخيص شاعري على نحو ما صدمنا قول الرئيس أوباما ما معناه إن الأزمة السورية شيَّبت شعر رأسه، ومن دون أن تستوقفه هذه الفواجع في المشهد السوري وكيف أن رخاوة الموقف الأميركي حوَّلت الأزمة السياسية إلى فواجع متعددة الأوصاف. ونحن عندما نقول ذلك فإننا على يقين بأن الرئيس أوباما كان ضمنًا يريد لاعتبارات ما بقاء النظام وأنه عندما كان يُكثر من عبارات حول حق الشعب السوري في أن يعيش حياة كريمة في أجواء من الديمقراطية كان ضمنًا لا يريد مثل هذا الحق للشعب.
والرئيس أوباما بهذه المواقف الزئبقية كان عنصر تسهيل للقفزة الروسية. وحتى إذا كان يرى أن الأزمة السورية التي شيَّبت شعر رأسه، سوَّدت وجه بوتين، فإنه بذلك شريك لروسيا في أن الأزمة انتهت بفاجعة، وشريك للرئيس إردوغان الذي خيَّبت الأزمة رهانه وتطلعاته.
وإذا كان الرئيس أوباما لم يفِ بوعده إزاء الموضوع الفلسطيني وتصرَّف حيال الأزمة السورية على النحو الذي أشرنا إليه، فهل أن سباق الرئاسة الأميركية سيعوِّضنا ما لم يحققه أكثر رؤساء أميركا الأربعة والأربعين إغداقًا في الوعود البرَّاقة للعرب وبالذات فيما هو حاصل في المنطقة، وهل سيكون الحصان الجمهوري أو الفرَس الديمقراطية، أفضل من السابقين الذين أحدثهم أوباما الذي يتبين في ضوء ممارساته أن أصوله الإسلامية والأفريقية لم تبدِّل شيئا من النهج الذي اعتمده السابقون. وعند استحضار هؤلاء بدءًا من الرئيس الثالث والثلاثين هاري ترومان وحتى الرابع والأربعين باراك أوباما نجد أن التقييم لهؤلاء لم يكن حول الأفضل أو الأسوأ، ذلك أن الأحد عشر رئيسًا الذين تعاقبوا، كانوا باستثناء وقفة أخلاقية من الرئيس الرابع والثلاثين دوايت أيزنهاور، أسوأ أصدقاء للعرب. فكل واحد من هؤلاء ترك بصمة في كتاب التدمير الممنهَج في الكيان العربي إما عن طريق الحرب التدميرية وإما عن طريق الإغراء بتسوية نالت منها إسرائيل مبتغاها.
وعندما نستثني أيزنهاور من هذه السيرة غير العطِرة لرؤساء أميركا رُعاة قيام دولة إسرائيل فلأن أيزنهاور استدعته الرئاسة أكثر من أنه سعى إليها من خلال حملات من العراك السياسي الحافل بكل أنواع الفضائح والاتهامات. ونقول ذلك على أساس أن أيزنهاور كان من أبطال الحرب العالمية الثانية. أما الموقف الذي يُذكر له بالخير فيتمثل بالإنذار الذي وجَّهه عام 1956 لوقف العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي على مصر.
وهذا الذي فعله الرئيس أيزنهاور كان مأمولاً أن يفعل أمرًا بالنوعية نفسها الرئيس الخامس والثلاثون جون كيندي كونه متحررًا وأول كاثوليكي وأصغر من ترأس سنًا. كما كان مأمولاً أن يسجل الرئيس الثاني والأربعون بيل كلينتون موقفًا مماثلاً وهو سعى من خلال نجاحه في جمْع الرئيس ياسر عرفات برئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك. لكن خشية أوباما من أن يصيبه ما أصاب كيندي ثم كلينتون جعلتْه يكتفي بأن يُكثر من الوعود إنما من دون أن يحقق شيئا.
خلاصة القول: إننا كعرب على موعد بعد أيام مع الرئيس أوباما في الإطلالة الأممية الأخيرة له قبل الانصراف. وهذه المرة مع أوباما الذي شيَّبت الأزمة السورية شعر رأسه، ومع أوباما الذي أمطرَنا على مدى ثماني سنوات وعودًا لم ينفِّذ منها شيئا.
بعد أوباما لا جدوى من حلاوة طرف اللسان. فقد كانت التجربة مُرَة. ولكي لا تكون أكثر مرارة مع الآتي أو الآتية لا بد من الحذر عملاً بالقول الكريم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا».
والله المنجي والحافظ.