أقلامهم

عبدالعزيز الفضلي: كابوس رابعة

ستظل مذبحة رابعة عالقة في أذهان أصحاب الضمائر الحية، وشاهدا على إحدى أبشع جرائم العصر، وكابوسا يُلاحق كل من أمر بها أو شارك في سفك دماء معتصميها أو حرض عليها أو رقص على أشلاء ضحاياها.

لقد كشفت لنا مجزرة رابعة معادن الناس، فتميز المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والطيب من الخبيث، والعالم الرباني من عالم السلطة، وأصحاب المبادئ من أصحاب المصالح، والعدو العاقل من الصديق الغبي والجاهل.

كشفت رابعة نفاق المجتمع الدولي الذي صمت عن تلك المذبحة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، والتي أثبت التاريخ وقوفها وراء كثير من الانقلابات والثورات المضادة للثورات العربية المطالبة بالحرية والعدالة.

لقد أعطت مذبحة رابعة درسا قاسيا ومهما للشعوب العربية والإسلامية بعدم الثقة بحكم العسكر، وأن غالبا ما يجُرّ هذا النوع من الحكم إلى خراب الديار وتدميرها.

وهو درس تعلم منه الأتراك، واستطاعوا إفشال محاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا الشهر الماضي.

الابتلاءات من سنن الله تعالى، ولعل مذبحة رابعة أحد هذه الابتلاءات، رفع الله تعالى بها منازل أقوام وأعلي درجاتهم، واصطفى الله تعالى من شاء من الشهداء، وكتب الأجر للمصابين، فالمسلم يُؤجر حتى على الشوكة التي يشاكها.

مخطئ من يظن أن مذبحة رابعة مضت وانتهت، وسيطويها الزمان وسينساها الناس.

لا تزال دعوات المظلومين والمصابين وأهالي الشهداء تلاحق القتلة والمجرمين، وهي دعوات يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: “وعزّتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.

لقد ندم أقوام على تأييد الانقلاب متأخرا، وهو ندم متأخر لكنه أهون ممن ما زالوا في غيّهم وعنادهم يستكبرون “وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد”.

لقد مات العديد ممن شاركوا في مذبحة رابعة أو أيّدوها، فأين هم الآن؟ وهل نفعهم من حرضهم، أو من دافعوا عنه؟

برغم الجرح الغائر الذي سببته مذبحة رابعة في القلوب، إلا أن الأمل في الله تعالى كبير بأن ينتقم من الظالمين، وأن يبدل الخوف أمنا والضعف قوة، وأن يحقق الله نصره للساجدين من أهل المصاحف وقيام الليل على من استحل الدماء وهتك الأعراض.

“ونريد أن نمُنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونُمكّن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون”.

“والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.