كتاب سبر

يا ضيفنا العزيز .. أنت الخروف والخروف أنت !!

الكرم العربي ، وما أدراك ما الكرم العربي، لو كان للكرم العربي شكل ملموس لتصدر هذا الشكل جميع المتاحف العالمية وتربع على كل التراث الإنساني والتاريخي والثقافي الموجود فيها.

أنه الكرم الحاتمي يا سادة ، أنه كرم حاتم الطائي الذي وضع نفسه رهينة عند قوم أغراب لأجل إطلاق سراح غريب أخر التجأ إليه عندما ذكر اسمه أمام الجميع ولم يجد مفر من تسليم نفسه للقوم مقابل إطلاق هذا الأسير المحتجز لديهم .

أنه الكرم العربي الذي يأتي به المضيف ما يشاركه أهله من طعام لأجل ضيف عابر سبيل يطرق الأبواب في الليالي المظلمة.. أنه الكرم الجهادي وهو أكبر وأعظم أنواع الكرم والجود ، وهو الجود بالنفس ( يجود بالنفس إن ضن البخيل بها**** والجود بالنفس أقصى غاية الجود ).

ولكن في زمننا هذا أصبح “الهياط” علامة تجارية واجتماعية بسبب زيادة النعمة -ولله الحمد-، و أصبح “تعكير صفو الضيف” هو الكرم والجود!

قد يغضب بعض القراء لكن هي حقيقة من وجهة نظري ولا مانع من طرحها لإثراء النقاش حولها.. فقيمة الضيف عند البعض في الخليج حاليا ، مساوية تماما لقيمة الخروف العربي، وفي أحسن أحوال الضيف تكون قيمته، قيمة “قعود” -صغير الجمل- !.. فما أثقل وزنك أيها الضيف العزيز، فقد أردنا مضاعفة تقديرك بوزن البقرة ، لكن للأسف، البقرة بلحمها الكثير لا تليق بك ، لأن العادات والتقاليد، إما أن يُذبح لك خروف وهو الدارج أو “قعود” وفي مناسبات معينة ، و”لا مؤاخذة” أيها الضيف العزيز ، فليس كل خروف يناسبك ، فالخروف “الصنف” مثلا الذي يشارك في مسابقات “جمال الخراف” لا يناسب وزنك وقدرك ، لأنه أعلى منك شأنا وحسبا ونسبا “وما تزعلش” يا ضيفنا العزيز  … فهذا هو الكرم عند البعض !

وهناك طرفة  -أنا أصر على أنها طرفة- حصلت معي، فقد التقيت بصاحب لي بعد غياب طويل بسبب مشاغل الحياة العامة، وقد علم إني كنت في المستشفى لاستئصال المرارة ، فحزن وغضب في آن واحد ، أولا لعدم زيارته لي وثانيا لعدم معرفته بوقت دخولي المستشفى ، فأصر على تقييمي -طبعا ذبح خروف على شرفي- ف “حلفت عليه” و “حلف علي” وهكذا حتى اتعبني ، فقلت له: إني مصاب بمرض “النقرس” وممنوع من تناول اللحوم الحمراء وأنت تعلم هذا جيدا ، لذلك سأوافقك بشرط أن تنزل من التقييم قليلا وننزل من خروف إلى سمكة أو “بوفيه” صغير متنوع الأطعمة، ولأشخاص معدودين وأرخص بكثير من سعر الخروف، ويكون الغداء أو العشاء خاص بيننا .. لكن صاحبي غضب واكفهر وجهه، وقال لي: انا أكرمك بسمكة أو بوفيه؟! فماذا سيقولون جماعتنا وجيراننا الذين دعوتهم جميعا ليشاركوك الخروف ؟!!… فقلت له: العزيمة لي أنا فقط، فما دخل جيرانك وجماعتك ؟!… ومن الضيف أنا أم هم ؟ وهل يرضيك أن أضر نفسي بأكل اللحم حتى لا اخجلك أمام جماعتك وجيرانك ؟!… فقال: اقعد على صحن الخروف ولكن لا تأكل !!!!.

فقلت: ما هذا الكرم الدكتاتوري يا صاحبي !!

وهذه حقيقة للأسف، فاليوم إذا استقبل المضيف ضيفا حل عليه أو وجد ضيفا عند جاره أو أحد من جماعته ، وأقسم عليه بالعشاء أو الغداء عنده ، تجد المضيف يجمع القبيلة كلها ليشهدهم على إكرام هذا الضيف !!.. وتجد الضيف جالسا محشورا بين الجموع الغفيرة ولسان حاله يقول: متى ينتهي هذا اليوم وأرحل !! ولا يلام الضيف… فأيها المضيف ، ضيفك يريد إكرامك له من خلال استقبالك وملاطفتك له ومن خلال طعامك الذي تشتهيه نفسه، وقبل ذلك كله شعور الضيف بالارتياح.

فقد قال أحد الحكماء : إذا أتاك ضيف أو زائر، فاستقبله بعينيك عندما يقبل ولا تنزلها حتى يجلس بجانبك وتوسع له المكان ، ولا تلتفت أو تنشغل عنه وهو يتحدث ، وأجعله يشعر وكأنه في بيته.… هكذا قال الحكماء وليس في زماننا هذا ، الذي أصبح يُقدّر به الضيف بقدر الخروف ، وأما الضيوف المساكين من عابري السبيل الذين لا يُعرف لهم جاه أو صيت فلا تجد لهم وزن أو مكان في قلوب أو عيون هؤلاء فلا الدجاجة تُذبح لهم ولا العصفور !، فإما يطردون أو بأحسن أحوالهم يأخذون “فنجان قهوة” أو كأس ماء وبشرط أن يكون مكان جلوس عابر السبيل في أقصى طرف من المجلس -الدوانية- بعيد عن المضيف ومن معه في المجلس!

نقطة مهمة:

الاحتفاء بالشخصيات الكبيرة العامة ، تختلف عن إكرام الضيف … فالأول تغلب عليها المصلحة وفي نفس الوقت يريد إخبار الجميع عن هوية ضيفه … وأما الثاني، فهو ضيفك أنت ، فإن اكرمته لوحده حتى يأخذ راحته بالطعام والحديث دون قيود فهذا هو الأصل ، وأما إن أردت دعوة البشرية جمعاء لتحتفي معك بالضيف، فيجب أن تأخذ رأي ضيفك فهو صاحب الشأن.

2 تعليقات

  • اكرام الضيف من الصفات الحميدة كثر او قل خلد التاريخ حاتم الطائي لكرمه وهي صفه تاتي بالفطره ماهي اختياريه كثر مال الشخص اوقل

  • كلام جميل ويحكي واقعنا فالضيف يتهرب من المضيف لانه يسبب له الاحراج من كثر المعزومين والضيف والمضيف يكونون بحالة استنفار الى انت يتفرقا .

أضغط هنا لإضافة تعليق