أقلامهم

“حدس” بين الافتراء والتحريض

أستأنف الكتابة في القبس بعد انقطاع ناهز الأشهر الأربعة بسبب العطلة الصيفية، التي وإن ارتحنا فيها من عناء العمل الروتيني، لكن العقل والقلب والجوارح تعبت، وتكدرت وهي تتابع مجريات الاحداث في منطقتنا العربية وخليجنا الصغير!
لن أكتب في أحداث المنطقة، فقد كفاني كل من كتب وأشغل قلمه بها، لكنني سأكتب عن ظاهرة قديمة، الا انها تتجدد كل يوم، ظاهرة التحريض على التيار الاسلامي الوسطي، فبعد ان تمت «شيطنة» الاخوان المسلمين في بعض دول المنطقة لأسباب لن يجهلها المنصفون، نشط المحرّضون لتعميم هذا القرار في كل دول الخليج، مستغلين الخلاف الذي حصل مؤخراً بين بعض دوله! ولو أنهم سلكوا طريق النقد البنّاء والتقييم الموضوعي للأحداث لتقبلنا ما تؤول اليه الامور، لكنهم لجأوا الى تزوير الحقائق وتشويه التاريخ والافتراء على التيار من أجل تحقيق أهدافهم بتعميم قرار اعتبار جماعة الاخوان المسلمين جماعة ارهابية! وبما أن هذا الامر لا يعنينا في الكويت من الناحية الأمنية لانفصالنا التنظيمي عن الجماعة منذ أكثر من ربع قرن، الا ان خصوم التيار دأبوا بالزج بالحركة الدستورية الاسلامية (حدس) في هذه المعركة الفاشلة!
لقد نسي المحرّضون أننا نعيش في دولة الكويت، تلك الدولة الصغيرة بحجمها، والكبيرة بتكاتف أبنائها وترابطهم الاسري، لذلك عندما طالبت احدى الدول قبل خمس سنوات من الكويت بــ «شيطنة» الحركة وأتباعها كان رد أصحاب القرار هنا أنه «ان كان الذين عندكم شياطين فالذين عندنا أبناؤنا ونعرف أقصاهم وأدناهم»، بل ان كشف الـ 26 اسما المتهمين من هذه الدولة بالانتماء الى الجماعات الارهابية والمقدم لرئيس الأمن الوطني الكويتي آنذاك تم حفظه في الأدراج، بعد ان قرأوا اسم المغفور له الدكتور عبدالرحمن السميط على رأس هذه القائمة! ولعلنا نذكر وقوف أحد أعضاء مجلس الامة ومطالبته وزير الداخلية بالرد على مطالبة بعض الدول بــ «شيطنة» التيار الاسلامي بالكويت وكيف تجاهل الوزير هذا النائب ولم يعطه أي اعتبار.
أدرك خصوم التيار الاسلامي صعوبة اقناع الحكومة هنا باتخاذ موقف معاد من هذا التيار، فسعوا الى استغلال «ماكينتهم» الاعلامية المتعددة الاطراف للتشويه والتحريض، فبدأوا بكتابة الاخبار الملفقة والمفبركة ضد تيار الحركة، فتارةً يتهمون الحركة بأنها وراء المسيرات السلمية والتظاهرات والاعتصامات التي حدثت بعد صدور مرسوم الصوت الواحد، وتناسوا ان الاجهزة الامنية تدرك ان الحراك الشعبي ــــ آنذاك ــــ كان يمثل جميع شرائح المعارضة الكويتية الوطنية المتعددة الالوان، وأن أهدافه لم تكن تغيير النظام كما ذكرت ذلك احدى الصحف المحرّضة في تحليل لها، بل كان هدف الحراك الضغط على الحكومة لتغيير آلية التصويت في الانتخابات، أما الشعب الكويتي فكان يشاهد مسلم البراك ووليد الطبطبائي وفهد الخنة واحمد السعدون وغيرهم كثير في هذه المسيرات بجانب ناصر الصانع وجمعان الحربش وأسامة الشاهين، لذلك من السخافة القول ان المسيرات بتحريض من الحركة الدستورية! وبعد أن يئس خصوم التيار الاسلامي المعتدل من إثارة الاجهزة الامنية عليه دأبوا بالفجور في الخصومة، فرجعوا للوراء قليلاً ظنّاً منهم ان الناس قد نست، فاتهموا اخوان الكويت بخيانة وطنهم ابان الغزو العراقي للكويت، مستندين على رواية لسفير الكويت في اميركا انذاك، والذي ثبت بأروقة المحاكم بطلان روايته، وهنا وللحقيقة والتاريخ أريد أن أسجل معلومة يجهلها كثير من الناس، عندما قدم هذا السفير للجنة تقصّي الحقائق في أحداث الغزو العراقي الغاشم التي شكلها مجلس الامة وتشرفت بعضويتها، فقد أدلى السفير الكويتي في واشنطن آنذاك بشهادته أمام اللجنة عن كل ما واجهه وعرفه، ولم يذكر بتاتاً حادثة د.السويدان ود.الشطي ومطالبتهما له بخمسين مليون دولار، مع انه تعرّض في حديثه لبعض مسؤولي الدولة من دون تردد، مما يعني أن رواية «الخمسين مليونا» جاء بذكرها فقط بعد استجواب التيار الاسلامي له في مجلس الامة عندما كان وزيراً للاعلام!
ولن نجد صعوبة في رد أباطيل الخصوم وفجورهم، فالشعب الكويتي الصامد في الداخل شاهد على موقف شباب الاخوان آنذاك في لجان التكافل والجانب المدني، وأما أهل الكويت في الخارج فشاهدوا كيف تفاعل رموز الاخوان شباباً وشيبة مع الحكومة في المنفى، فرسالة أهل الداخل التي جاء بها د.إسماعيل الشطي وتلاها في مؤتمر جدة، وتلاوة د.ناصر الصانع لبيان الاخوان المسلمين المرسل للمؤتمر والداعم للكويت ضد الغزو، ومشاركة كبار السن من الاخوان الكويتيين أمثال عبدالله علي المطوع في زيارات مكوكية للدول الاسلامية لكسب تعاطفها، ومشاركة الشيخ القطان في وفود المغرب العربي لتغيير مواقف بعض التيارات الاسلامية هناك، في الوقت الذي رفضت بعض الرموز اليسارية المشاركة في الوفود الشعبية، ولا يمكن لعاقل ان ينسى دور الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في دعم الحق الكويتي، كل هذه الاحداث لم اذكرها من خيالي، بل ما زال شهودها أحياء، ويعيشون بيننا اليوم!
سيستمر الخصوم في التحريض، وسيستعملون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وسندنا بعد الله سبحانه هو حكمة القيادة وإدراك الشعب، وسجل حافل ومشرّف من المواقف والإنجازات لا ينكره إلا مكابر، والله غالب على أمره!