أقلامهم

الديين يطرح سؤالين مرتبطين بتوقيت مقتل بن لادن.. وهل له علاقة بالثورات العربية التي فاجأت الأمريكيين والأسرائيليين؟

المعلومة الأهم التي توقفت أمامها في عملية اغتيال أسامة بن لادن هي ما تمّ الكشف عنه من أنّ الأميركيين كانوا قد رصدوا مقر إقامته منذ شهر أغسطس الماضي، أي قبل أكثر من ثمانية أشهر، ومع ذلك لم يبادروا إلى اغتياله حينذاك، وإنما جرى تأجيل التنفيذ إلى فجر يوم أمس، وذلك بالطبع لم يكن تراخيا أو تحققا من الهدف المرصود، وإنما هو اختيار مقصود للتوقيت المناسب الذي يخدم فيه الاغتيال الأهداف الأميركية ويحقق مراده… فالاغتيال عمل سياسي مدروس ومخطط له وليس مجرد عملية ثأر.


وإذا ما دققنا في بعض ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية نجد أنّ الاستخبارات الأميركية تعرّفت منذ أربع سنوات على هوية الرجلين اللذين آويا أسامة بن لادن وقتلا معه، ما يعني أنّ الأميركيين أمسكوا بالخيوط المؤدية إلى «غريمهم» منذ العام 2007 ومع ذلك تمّ تأجيل التنفيذ إلى الوقت المناسب، هذا ما لم يكن الأميركيون ممسكين ليس فقط بتلك الخيوط وغيرها منذ زمن سابق، قد يعود إلى ما قبل 11 سبتمبر 2001، أخذا بعين الاعتبار ما كان قائما من تعاون بين الطرفين فترة ما كان يُسمى «الجهاد» ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان!


والمهم الآن في الأمر، أنّ التوقيت الأميركي لتنفيذ العملية المؤجلة لاغتيال أسامة بن لادن يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة، من بينها تساؤلان رئيسيان… الأول، هل الاغتيال جزء من محاولة أميركية متعمّدة لاستثارة «القاعدة» وبعض التيارات الجهادية الإسلامية وجرّها مجددا إلى جولة أخرى من العمليات الإرهابية بدافع الثأر للشيخ المغدور، بما يؤدي إلى خلط الأوراق في منطقتنا العربية، بالتزامن مع اللعب بالأوراق الطائفية وأوراق تقسيم بعض البلدان العربية وذلك لقطع الطريق على استكمال التحوّلات الثورية الجارية التي فاجأت الإسرائيليين والأميركيين وأربكت مخططاتهم؟… أم أنّ القصد الأميركي من اختيار توقيت الاغتيال في هذا الوقت تحديدا هو استخدامه سياسيا وإعلاميا للإعلان عن الانتصار الأميركي فيما يُسمى “الحرب ضد الإرهاب”، التي امتدت عقدا كاملا من 2001 إلى 2011 بحيث يتم طيّ تلك الصفحة البائسة لتُفتح بعدها صفحة جديدة، ولا أقول نظيفة، تخدم على نحو أفضل المصالح الإسرائيلية والأميركية في ظل التحوّلات الجديدة التي فرضتها الثورات الشعبية؟!


ولعلّ هذين التساؤلين الرئيسيين يقودان إلى تساؤلات فرعية أخرى من بينها التساؤل عن الصلة بين الاغتيال وإعلان الانتصار في «الحرب ضد الإرهاب» من جهة وبين التمهيد لترتيبات جديدة تتصل بإعادة الانتشار العسكري الأميركي في أفغانستان واستكمال الانسحاب من العراق؟… وهل هناك علاقة بين هذا – إن حدث – وبين فتح جبهة حرب أميركية جديدة في منطقتنا؟!


وكذلك التساؤل عما إذا كان طيّ صفحة الحرب ضد الإرهاب التي كانت موجّهة ضد الإسلام والإسلاميين مقدمة لبدء طور جديد مختلف في مسلسل العلاقة الأميركية مع بعض التيارات الإسلامية، وهي العلاقة التي سبق أن مرّت بأطوار متعددة ومتباينة من التقارب والتباعد وفق الحسابات والمصالح؟!


والتساؤل أيضا عن تأثير اغتيال أسامة بن لادن على ما يُسمى «تنظيم القاعدة»، الذي يرى كثيرون أنّه ليس تنظيما مركزيا، أو أنّه لم يعد الآن تنظيما مركزيا؟… وهذا ما يقود إلى تساؤل آخر عن السبب الحقيقي وراء ملاحظة اختفاء دور جماعات «القاعدة» والعديد من الجماعات الجهادية عن الصورة خلال الأحداث الثورية الكبرى التي عاشها عالمنا العربي طوال الأشهر الأربعة الماضية، وما إذا كان غيابا تكتيكيا مقصودا؟ أم هو إقرار بانحسار دورها أمام المدّ الجماهيري العارم؟!


باختصار، فإنّه من السذاجة الاكتفاء بالانبهار من دقّة التنفيذ وتتبّع تفاصيل عملية الرصد والاغتيال، فهناك ما هو أجدر بالمتابعة والفحص والتحليل!