كتاب سبر

عادل عيدان ينضم لكتيبة كتاب ((سبر))
قدسية العمامة

الإعلامي الكويتي عادل عيدان الذي يعمل منذ سنوات مذيعاً في قناة العربية انضم إلى كتاب سبر ، ويسرنا أن نرحب به وبفكره وقلمه الحر المتميز..

قلم عادل يحلق على ارتفاعات باهضة في زمن تطأطئ فيه الرؤوس والأقلام.

قدسية العمامة

ثلاثة وخمسون عاماً هي عمر الرجل.. واحد وعشرون عاماً منذ أول محاولة لدخول البرلمان.. خمسة عشر عاماً وهو يتربع على كرسيه الاخضر الذي تخلى عنه مستقيلاً قبل عدة أشهر من حل البرلمان وأبعد قسراً لعامين حين عزف الناخبون عن اختياره. حياته مليئة بالإثارة إن كان بسبب مواقفه أو تقلباته أو جرأته التي رفضها البعض وخشي منها البعض الاخر ومقتها آخرون، وصولاً لخوضه أول انتخابات بعد التحرير بعمامته السوداء التي أدخلت الرعب إلى قلوب الشيعة آنذاك قبل السنة .

هل هو استفتاء على مدى قابلية العمامة أم رفض لشق المجتمع الذي طالما تغنى بأن الطائفية غريبة على أدبياته فجاء من يريد هدمها بمعول الدين واللباس الحوزوي في مواجهة أصوات تعالت ناطقة بصوت العقل، أمام هذا المشهد الذي ينذر بالخطر، يبدو من المناسب لنا أن نطالب رجال الدين أن يظهروا بمظهر مدني في مؤسسة من المفترض أن تكون مدنية، و هي قطعاً مدنية وهي قطعاً غير الحوزة والجامع والحسينية قبل أن تلتبس الأمور على الآخرين، إذ يجب الفصل في الأداء بين المؤسسات الروحية والمؤسسات المدنية بحيث نترك لكل مسؤول في هذين النوعين من المؤسسات الاهتمام بتفاصيل مؤسسته الخاصة والعامة. 

النائب حسين القلاف حامي حمى الطائفة ورافع راية الشيعة والنصرة والدفاع عنهم هو ذاته من انتقدَ مَنْ صنّفه لطائفة دونما أخرى فخسر انتخابات 1992.. وهي كلماته ذاتها كررها في العام 1996 حينما حورب طائفياً في الدائرة الرابعة فربح حين طرح نفسه كويتياً خالصاً رغم الفرعية الطائفية أمامه، فمواقفه آنذاك كانت ترجمة لما كان يلهج به لسانه من أن الاختلاف بالزي لا يزعزع مواقفه وأن مصلحة الطائفة لن تكون متقدمة على مصلحة الوطن بل تحدى من لمس منه موقفاً طائفياً أو تصويتاً علي حساب الوطن .

 ولكن ما الذي تغير بعد عشرة أعوام ونيف وما الذي دفع القلاف إلى تكفير الذين خالفوه العقيدة.. ولكي يناصب العداء لكل من خالفه الرأي.. ثم تحول من مدافع عن القضايا الشعبية التي قل فيها مناصروه إلي المدافع عن الحكومات المتعاقبة.. وليكون رأس الحربة في كل جولة من معارك الحكومة .

هيبة  العمامة واحترامها وسلطتها الطوعية جاءت مما ترمز إليه من دين وعلم وتقوى، ورعاية للناس بصرف النظر عن سلوكهم وانتمائهم الديني أو المذهبي أو القومي.. أو حتى مدى التزامهم الديني.

فقد كانت ملتقى للجميع يتقاضون عندها ويقبلون بحكمها وتصلح بينهم، فقد علّمنا علماء من رجال الدين وهم من غير الخطباء على المنابر: أن العمامة في تراثها لا تصح أن تكون خصما أو طرفا في صراع.. بل هي في موقع الإرشاد وتقريب المتخاصمين وأنها تسقط حين تدخل في الجدل فتصبح متهمة باتخاذها موقع الانحياز ضد الخصم.. وليس في موقع الانحياز للعدل والحق.

لذلك لا يجوز عندما يتعرض رجل الدين، الذي اختار النيابة أو العمل السياسي المباشر، لا يجوز له أن يحشر العمامة ليتحول هذا السلوك والتصرف إلى “مشروع فتنة” وانفعال لدى الآخرين فلا بد من النصح بالكف عن الخلط العشوائي بين الدين و السياسة والنيابة والحكم.

لكن خصومة القلاف كثرت مع أكثر من نائب ابتداء من فيصل المسلم مروراً بجمعان الحربش وصولاً إلي مبارك الوعلان وانتهاءً بمحمد هايف والمعركة الاخيرة .

 الأمر الذي أستخدمه القلاف حتى مع من خالفوه الرأي من أبناء مذهبه كالنائب سيد عدنان عبدالصمد، أو حتى النائب حسن جوهر الذي أخرجه من الملة بعد أن خالف توجهه وصوّت ضد منح الثقة لرئيس الوزراء .

 كما أن القلاف أثار قضية العمامة في كل شاردة وواردة فجعل من فاطمة الزهراء خصماً لمن لم ينتخبه عندما خسر مقعده البرلماني وأصبحت العمامة هي الميزة التي تخدمه بعد أن كان من المفترض ان يكون هو خادمها  .

إن ما ترمز إليه العمة يلزم حاملها بأن يرفعها ويقدمها للناس علامة على القيم والتسامح لا أن يحتمي بها، وقد فرق علماؤنا بشكل دقيق ومسؤول بين الحق السياسي الذي هو حق للجميع وبين العمل السياسي الذي هو اختيار ديمقراطي يحول المجتمع إلي (مع وضد ) بين ( المعارض والحاكم ) لكن لا بد أن يبقى نائباً عن الشعب أو الأمة جميعها معارضاً كان أو موالياً وليس فقط عمن انتخبوه، وهو ما نص عليه الدستور من أن عضو مجلس الامة يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة ولا سلطان عليه. فأين رعاية القلاف لمصلحة أبناء جلدته، شيعة وسنة، ناخبيه ومحبيه قبل أعدائه وكارهيه؟!

وهذا ما أتضح جلياً حينما تحدث النائبان سيد عدنان عبد الصمد وجمعان الحربش عن المعتقلين الكويتيين سواء في غوانتانامو أو اليمن لكن الخلل أن يدخل القلاف في الوقت بدل الضائع حتى يرمي بقذائفه يمنة ويسرة ما أفقد الطرف الآخر أعصابه  ودخلنا في حرب العصي والعُقل فغيب العقل .

وفي الموروث عن أهل البيت أن لكل مكان ظروفه الخاصة التي يجب أن تراعى من دون الخلط بين خصوصيات الأماكن والبلاد المتعددة. فالكويت قطعاً غير العراق والعراق قطعاً غير إيران وإذا كان هناك من المعممين في مؤسسات السلطة في العراق مثلا فهم ممثلون لأحزابهم أو مستقلون يعملون بصفتهم السياسية لا الدينية.

فالكويت بلد ذو غالبية سنية.. لكن له خصوصية تختلف عن دول الجوار فالمكون الشيعي ليس طارئاً عليه كما أنه ليس طارداً له لذلك حينما كان القلاف يعبر عن مختلف الأطراف كثر المعجبون به، وحين دعي لخوض الانتخابات في الجهراء أبان خلافه آنذاك مع النائب طلال العيار –رحمة الله – وطرحه لمحور واحد في الاستجواب البرلماني حول انتهاك لحرمة الدستور القائمة على مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بإعطاء حق التقدم والاولوية والترجيح للمقربين لمعاليه من مفاتيح انتخابية وناخبين على الموظفين الآخرين إضافة لغيرها من القضايا التي تهم الوطن ولا تفرق بين مواطنيه فخصوصيتنا ككويتيين تكمن في اختلافنا بمحبة .

إذا كانت مرجعيتنا في النجف ممثلة بالمراجع العظام لا بالسياسيين المعممين أو المدنيين فهذا ما يلزمنا استخدام الأدبيات الحوزوية التي تنسجم مع لغة العلم و العلماء.. ولا علاقة أدبية أو فكرية لنا بما يقترحه بعض المعممين من موقع السلطة او الاستقواء و السياسة في تبرير تدخلاتهم من خلال اختراع مصطلحات هجينة و غريبة على حوزتنا العلمية وأدبياتها.

 و إذا أردنا ان نحافظ على الدين والمتدينين، الوطن والمواطنين، والقيم الإسلامية فعلينا أن نجعل المرجعيات الحقيقة مثالنا الذي نقتدي به كما هو الحال مع تعاطينا مع أهل البيت المثال الذين كان علمهم وأخلاقهم مثالاً لنا وكانوا قدوة لنا في صوتهم المرتفع الذي كان بليغاً في صمته.. ولا أحد في العالم الآن ينكر عمق تأثير السيد السيستاني وعظمة دوره الذي أداه من دون ان يكون مسؤولا عن نقطة  دم واحدة أو خلاف أو صراع إضافة الى حرصه الشديد على تجنيب الحوزة سلبيات الجدل اليومي في المجال السياسي، بعد كل هذا هل يمكن القول أن السيد القلاف قريباً من هذا النموذج والمثال؟

عادل عيدان – اعلامي كويتي