آراؤهم

الحياة قصيرة جدا

فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ

عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي

فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً

فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ

قطري بن الفجاءة

يعيش أحدنا في هذه الحياة الدنيا ويعمل وكأنه سيخلد فيها ناسيا أو متناسيا أن لا خلود في هذه الحياة الدنيا وأن كلما نفعله إنما هو حبات بذور ننثرها في أرض صحائف أعمالنا وسنجني ما زرعناه يوم تتطاير الصحف فتُتلقف باليمين أو بالشمال وحينها سنعلم يقينا أنه لا يجنى من الشوك العنب ، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي : ” يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ” .

هذه الحياة الزائلة الفانية أقصر من أن نقضيها فيما يفسدها علينا ويشغلنا عن الاستمتاع بها ، ومن أكثر تلك المفسدات أن نحياها ونحن نحمل في قلوبنا نتن وعفن بغض الآخرين بلا مبرر ولا مسوغ شرعي مبني على عقيدة الولاء والبراء بل مبني على أهواء أنفسنا أو على صور خاطئة رسمناها في مخيلتنا عن الآخر هي أبعد ما تكون عن الحقيقة بل قد تعرينا نحن أمام الآخر إذا عوملنا بمقولة : ” كلٌ يرى الناس بعين طبعه ” وكما قال الفيلسوف اليوناني ” أنت لا تكرهني أنت تكره الصورة التي رسمتها في مخيلتك عني وهذه الصورة في الحقيقة هي أنت وليست أنا ” .

هناك أمور في حياتنا أهم وأعظم يجب الانشغال بها بدلا من الانشغال بصنع عداوات مع الآخرين وإشغال القلب بالبغض والكره بدلا من إعطائه مساحة كافية للحب والتسامح والمودة ، ولو شغل كل منا نفسه في معالجة عيوبه أولا لما وجد وقتا للالتفات نحو الآخرين فضلا عن أن يجد وقتا لإقامة المعارك أو الحروب الساخنة منها والباردة ، وما أجمل ما قال المبدع سعد علوش في هذا الباب :

من قبل لا سوّي مشاكل مع الناس

عندي مع نفسي مشاكل كثيرة

نقّ قلبك وطهره من أمراضه ولا تشغله إلا بما يعود عليه وعليك بالنفع واحرص على إجراء عملية غسيل يومي لقلبك لتنظيفه مما علق به ، وليكن جل اهتمامك أن تنام وليس في قلبك لأحد من المسلمين شيء فبهذا العمل البسيط ظاهره العظيم باطنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل بأنه من أهل الجنة .

فعش حياتك بسلامة صدر حتى تسلم لك حياتك من منغصات العيش وبنات الدهر ولا تجعل للكره في قلبك نصيبا وعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك ، وازرع شجيرات المحبة على جنبات الطريق نحو قلبك علها تكبر ذات يوم وتظللك من حر شمس تدنو من الخلائق بمقدار ميل .

واعلم بأن العمر قصير فلعلك إن أصبحت لا تدرك المساء وإن أمسيت لا تدرك الصباح وأن طلب الخلود ليس بمستطاع كما قال قطري فعلام التعب وعلام الجري وراء الدنيا ومغرياتها ، ولو كتب الله لأهل القبور عودة لأخبروك الخبر الصادق .

دمتم طيبين .

‏منصور الغايب