أقلامهم

يعقوب الشراح يرى أن توسط النواب لناخبيهم أمر طبيعي لكنه يقر بأن الواسطة فساد وإفساد

الوساطة والقانون


د.يعقوب أحمد الشراح


ظاهرة الوساطة المنتشرة في المجتمع ليست جديدة او وليدة اليوم، وانما هي قديمة تفشت بمرور الوقت بعد تشابك المصالح، وتطور الخدمات، والنمو السكاني، وتكاثر الجنسيات، فضلاً عن تعدد الاطياف والجماعات والتكتلات التي تتصارع احياناً على المصالح، الوساطة اذاً هي تلك الاجراءات التي تتخذ من قبل الذي بيده سلطة القرار والاقرار اما مباشرة وإما عن طريق طرف آخر يمتلك ايضاً المكانة الاجتماعية والسياسية، وقد يكون نائباً او وزيراً او وكيلاً او لاي كان من الافراد لديه صلاحيات التنفيذ… وفي اغلب الاحوال الوساطة لا تعني العمل بالقانون، وربما تتجاوز او تخترق القانون، وفي ذلك مشكلات لا حصر لها وعلى المستويات كافة.
الذين يتوسطون من اجل مساعدة الغير من بعض النواب يختلفون عن غيرهم بأنهم اصحاب مصالح انتخابية، وبالتالي من الطبيعي ان يقدموا خدماتهم لناخبيهم، لكن من غير النواب، امثال الوزراء ومختلف العاملين في المستويات الادارية الحكومية ايضاً لا يمانع بعضهم من القبول بالوساطة رغم العلم بأنه مخالف للقانون، ما يعني ان الوساطة على هذا النحو ظاهرة عامة ومتفشية ولا تقتصر على فئة دون اخرى… انه فساد وافساد، وسرطان له تداعيات على سلامة واستقرار المجتمع، خصوصاً وان الوساطة المخالفة للقانون تعني عدم المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، والاخلال بمفهوم حقوق الانسان والفتور في العزائم تجاه الاخلاص في العمل وخدمة الوطن بسبب التمييز بين المواطنين في حقوقهم واحتياجاتهم من الرعاية والخدمات العامة.
اما الوساطة التي تمنع الظلم عن الفرد، وترد اليه حقه او تعطيه الحق المسنود بالقانون فهذه الوساطة ينبغي ان يسعى اليها كل من يملك القدرة على مساعدة المظلوم ويريد في ذلك ليس فقط ارضاء صاحب الحق، وانما ايضاً كسب الثواب، واصلاح الاعوجاج، والمساهمة في درء المخاطر عن المجتمع، هناك كثيرون يعانون من الظلم الواقع عليهم في حياتهم، ولايستطيعون كيف يجنبوا انفسهم ما وقعوا فيه من ظلم او يعالجوا مشكلاتهم بأنفسهم، وهي مشكلات اما انها تحدث لهم في العمل، وإما في الدراسة، وإما في العلاقات بين الناس وغير ذلك من امور حياتية مختلفة سببت لهم مصائب يشعرون بأنها ناتجة عن اوضاع لا ارادة لهم فيها.
ان معالجة الوساطة المخالفة للقانون لا تتم من اجهزة او اطراف تعطى لها صلاحية المراقبة والضبط والاحضار في مجتمع يساوي دستوره بين الناس بالعدل، وانما الحل الاساسي يكمن في النفس البشرية وبالقيم والاخلاقيات التي تربى عليها الفرد في ان يجنب الذات من كسر القانون، وظلم الآخرين، والايذاء الذي يسببه للبشر، تهذيب السلوك لا يكفي، وانما لابد من تشديد تطبيق القانون على كل من يستخدم الوساطة بهدف مخالفة القوانين دون تمييز بين الفاعلين الذين يستغلون سلطاتهم ونفوذهم في تخريب المجتمع والغاء مفهوم دولة المؤسسات.