كتاب سبر

دستور دولة الخلافة والجيش

صنع المصريون الفراعنة طوال سبعة آلاف سنة، ويبدو أنهم ما زالوا يرغبون في صناعة المزيد من الفراعنة، الدليل على ما أقول هو الشعار الذي رفعته بعض قوى الإسلام السياسي في مليونية الجمعة الماضية “نعم للجيش، لا للمبادئ الدستورية”.

لا أحد يريد أن تتكرر أزمة مارس 1954، لكن البعض يريد تكرارها، البعض يريد صناعة إله جديد، وفرعون جديد، البعض رفع الجمعة الماضية لافتات تؤيد مبايعة المشير “أميرا”، لأنهم لا يعرفون في لغة السياسة إلا مصطلحات الخلافة، والإمارة، والمبايعة، ويضعون ذلك كله في كفة، والمبادئ الدستورية في كفة أخرى، هل هي مقايضة صنعها الاغترار بالعدد؟.. ربما.

الآلاف التي جاءت من الأقاليم، في أتوبيسات مكيفة، أو غير مكيفة، في رحلة، أو زيارة،  أو دعم لمطالب “دولة الخلافة”، وضعت نقاطا كثيرة على الأحرف، وصنعت أسئلة جديدة، حول الخطر الذي يهدد الدولة المدنية، الحشد الأكبر فى تلك الجمعة كان من نصيب السلفيين، بمختلف مشايخهم، لدرجة أن الإخوان ذابوا فيهم، أما الجماعة الإسلامية فلم يكن لها حضور ظاهر، وهى جماعة أصبحت ضعيفة، فقيرة، بعد أن قضى عليها خلال سنوات حكم مبارك، وبمراجعاتهم التى كانت تؤيد النظام، ومن ثم خرجوا من السجون تحت رعايته، ففقدوا مصداقية كبيرة لدى أى جماهير.

المتظاهرون الذين أتوا من مدن وقرى لا يعرف أغلبيتهم لماذا أتوا؟ وماذا يفعلون؟ لكن كانوا يعرفون أنهم ذاهبون فى رحلة إلى القاهرة، وإلى ميدان التحرير، سيصلون الجمعة فى ميدان، ويظلون لساعات، ثم يعودون مرة أخرى إلى بيوتهم، وذلك بناء على نصائح وأوامر مشايخهم، وهو الأمر الذى لم يكن يحدث أبدا فى الـ18 يوما من عمر الثورة، التى كانت ترفع شعارا واحدا هو إسقاط النظام، وإسقاط مبارك، وما يحمله هذا الشعار من معان كثيرة تحمل أهداف الثورة، متمثلة فى تطهير النظام، وإزالة الحزب الوطنى الحاكم الفاسد، وحل البرلمان المزور، ومحاسبة الفاسدين سياسيا، الذين طغوا فى الأرض فسادا، ونهبوا أموال وأرض البلاد ووضع دستورا جديدا للبلاد، يليق بمصر وشعبها وثورتها، وكان الكل يدا واحدة.

هكذا كانت أهداف الشعب من ثورته التى خرج فيها حاملا رأسه فداء لهذا الوطن، ومن أجل مستقبل أفضل يحكمه دستور جديد، ونظام يأتي من الشعب يحترمه ويقدره، وبانتخابات نزيهة، وظلت هذه المطالب المرفوعة مع رحيل النظام طوال أيام الثورة، وفى الوقت الذى أكد فيه الثوار الأصليون فى الميدان أنه لا تفاوض إلا بعد الرحيل، بعد محاولات النظام جذب بعض القوى من أجل أن تطول فترة بقائه فى السلطة، محاولا ضرب قوى الثوار بقوى السياسة التقليدية العقيمة، التى تأكل على كل الموائد، وبالفعل ذهب البعض إلى المفاوضات، مرة إلى أحمد شفيق رئىس الوزراء المرفوض ثوريا، ومرة أخرى إلى عمر سليمان الذى تم تعيينه فى منصب نائب الرئيس، بل إن بعض الشخصيات التى تجدها الآن، على الفضائىات أكثر ثورية من الثوريين الأصليين، ذهبوا إلى تلك المفاوضات ليبشروا بتهدئة الأجواء، وبأن روحا جديدة تسيطر على النظام، ذهبت بعض القوى إلى تلك المفاوضات فى محاولة لجنى ثمار الثورة، حتى قبل نضوجها، ومع هذا انتصر الثوار ليجبروا فى النهاية نظام مبارك على الرحيل، وذهب نائبه بمفاوضاته، ورئىس وزرائه أيضا.

كانت هذه هي قصة الثورة، وكانت هذه هي قصة الثوار، كان هدفهم واحد هو إسقاط النظام، رفعوا شعارا واحدا، ولم يرفعوا أبدا علم السعودية، ولا صور بن لادن، الثوار الحقيقيون رحبوا بالجيش الذي سيحمي البلاد في فترة انتقالية ، لكنهم لم يبايعوه، لم يطالبوه بالتدخل، لا للتعجيل بالانتخابات، ولا بمنع المبادئ فوق الدستورية، لأن الحكم للشعب، وليس للجيش.

الثوار وثقوا في الجيش، سلموه السلطة لمساعدته فى تحقيق أهداف الثورة، التى كان على رأسها وضع دستور جديد للبلاد، وهو الأمر الذى اتفق عليه الجميع، ولعلى هنا أؤكد أن الشعب سلم السلطة إلى الجيش لثقته به، وأن الجيش جزء من هذا الشعب، هذه ثورة شعب، ولم تكن ثورة جيش.. وليس كما يحاول المنافقون والموالسون تصوير الأمر وكأن الجيش قام بالثورة، وليس كما يفعل التليفزيون الآن فى قنواته المختلفة من وضع شعار «ثورة الجيش والشعب”

ما هذا النفاق؟!

هل هى مكتسبات عودة وزارة الإعلام مرة أخرى، ومحاولة الوزير الجديد القادم من منطقة ليس لها علاقة بالثورة، أن يحافظ على مكانته، بإعلانه هذا الشعار الفج؟ ولماذا تورط الجيش فى عدم تنفيذ أهداف الثورة التى كان على رأسها وضع دستور جديد للبلاد عن طريق انتخابات تأسيسية، بل اكتفى بإجراء ترقيعات الدستورية لمواد طرحها النظام السابق قبل رحيله.. ليخرج بعد ذلك إعلان دستورى بديل عن الدستور المرجو، ويستمر فى التخبط ويحاول أن يبرر وجوده -غير ثقة الشعب فيه وهو الأهم- بإعلانه أن الاستفتاء أكد شرعيته.

ليأتى هذا اليوم وتخرج فيه قوى ترفض المبادئ الدستورية التى يجب أن تحصن أى دستور يتم وضعه وفقا لمعايير دول ديمقراطية كبرى، ليس هذا فقط، بل يرفضون الدستور من الأساس ويرفضون الدولة المدنية.

أليس الجيش هو السبب فى ذلك، أم أنهم يكتفون بشعارهم.. نعم للجيش؟!

ثم ماذا بعد؟!