أقلامهم

وليد الحداد يرصد مؤشرات سلبية قد تدفع النظام الإقتصادي المحلي للإنهيار

الاقتصاد الكويتي ومؤشرات سلبية قد تؤدي إلى الانهيار


د. وليد الحداد


من الأمور التي تؤكد أننا لا نملك الروح الاقتصادية الديناميكية هو أن العالم مر بأزمة مالية كبيرة مؤخرا ولكن لم نأخذ أي تحرك أو نبذ أي اهتمام حكومي أو برلماني عندما أصيب الاقتصاد الأميركي بنكسة كبيرة حيث خفضت «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، وما تبع هذا من انهيار الأسواق المالية العالمية في أسواق أميركا وأوروبا وآسيا، وتقدر استثمارات القطاع العام والخاص بـ 250 مليار دولار مما يعرض هذه الاستثمارات إلى التآكل بالأخص إذا ما قررت الولايات المتحدة تخفيض قيمة الدولار الذي سبق أن قررته في السبعينيات عندما فك ارتباط الدولار بالذهب الرئيس نيكسون، وهذه الأزمات المالية خلال الثلاث سنوات الماضية في الولايات المتحدة الأميركية والتي مرت بها وجعلت اقتصادها في محل شك من الانهيار تجعلنا نعيد حساباتنا مرة أخرى في إستراتيجية استثماراتنا وأين نوظفها وجغرافية توزيعها.
انهيار سوق الأوراق المالية


من المؤشرات السلبية التي برزت انهيار سوق الأوراق المالية وعدم قدرة قرارات الإصلاح على إنقاذه، وأيضا فشل عملية الاختيار في هيئة مفوضي أسواق المال التي رفض ثلاثة من أعضائها الاستقالة من أعمالهم السابقة بالرغم من أن رواتبهم تبلغ 13 ألف دينار شهريا، وسبق أن أشرنا في «السلة الاقتصادية» إلى أن عملية اختيار القياديين في الدولة من أهم مشاكل الفوضى الإدارية التي نعيشها لأنها لا ترتكز على نظام موضوعي وقواعد الاحتراف والإمكانيات والقدرة على القيادة فكان مصير الهيئة الفشل كغيرها من الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى، ولا يقف انهيار البورصة على فشل هيئة أسواق المال وإنما على الإدارة الاقتصادية للبلد، فالبورصة هي انعكاس اقتصادي لاقتصاد الدولة، فالقوانين التي صدرت مثل قانون الاستقرار المالي والمحافظ المليارية التي تعاني من سوء الإدارة والتأخير لم تستطع أن تعالج الأزمة المالية وأن تنتشل البورصة من أزمتها، وتقدر خسارة أهل الكويت منذ بداية الأزمة المالية عام 2008 بستين مليار دينار.


اقتصاد أحادي الدخل.. وعجز محتمل للميزانية


منذ فترة بسيطة أطلق محافظ البنك المركزي صرخة تحذير عالية الصوت بسبب الإنفاق الحكومي الاستهلاكي الكبير وزيادات الرواتب غير المبررة والمربوطة بزيادة الإنتاج والأهداف التنموية، حيث ذكر المحافظ انه في عام 2020 على معدلات الإنتاج الحالية للنفط سنحتاج إلى بيع برميل النفط بقيمة 280 دولارا، حيث بلغت الميزانية العامة 20 مليار دينار وتقدر ميزانية الباب الأول بـ 8 مليارات دينار، ويرى بعض المحللين الماليين أن الميزانية الحالية مربوطة ببيع النفط بقيمة 90 دولارا للبرميل وأنه في حالة انخفاض النفط عن 90 دولارا للبرميل فسندخل في مرحلة العجز، ومن الأمور التي تقلقنا وتصيبنا بالصدمة أن الحوار دائما يتركز على أسعار النفط ومدى كفايته للميزانية العامة والمفروض أن يتجه الحديث إلى كيف يمكن أن نوفر مصادر بديلة للدخل تنقلنا من حالة كون النفط يمثل 90% من دخل الميزانية الحالية، ويجب أن نوضح أن الضرائب ليست هي المدخل الأساسي بل المدخل الأساسي هو بناء اقتصاد منتج وتنمية قطاعات الصناعة والخدمات المالية والخدمات العامة وتجارة إعادة التصدير وغيرها من مشاريع التنمية الاقتصادية ومن أهمها إعادة بناء قطاع خاص حقيقي لا يعتمد على الإنفاق الحكومي، وجدير بالذكر أن دولة الإمارات النفط يمثل 23% من دخل الميزانية العامة فقط، وأيضا من الأهمية بمكان وقف استنزاف الميزانية العامة بالعطايا الشعبية وغيرها من القرارات ذات الأثر المالي دون مردود إنتاجي.


مؤشرات خطة التنمية سلبية


فيما عدا الأهداف الإنشائية فإن مؤشرات الخطة التنموية مازالت سلبية فإلى الآن لم تنشأ أي شركة من الشركات المزمع أن تقوم بعملية التنمية وهي أكثر من خمس عشرة شركة، والعملية الإسكانية مازالت تحبو وهناك أكثر من 90 ألف طلب بالانتظار وأيضا التركيبة السكانية ازدادت سوء ومازالت العمالة تستورد دون رقيب أو حسيب مما يسبب ثقلا على الخدمات المقدمة والتي تعطي مجانا إلى الأجانب والمقيمين، ومشاريع الكهرباء مازالت تحبو وما زالت المؤشرات لأحمال استهلاك الكهرباء تنذر بالخطر والمياه أيضا معدلاتها وصلت للحد الأعلى، وعموما لم يظهر إلى الآن أي تغيير على مستوى الإدارة التنموية يظهر القدرة على التنفيذ بل ان هناك تصريحات صدرت تنبئ عن التأخير في التنفيذ.


انهيار قطاع العمالة


قطاع العمالة في الكويت يعاني من الانهيار لعدة أسباب أهمها أن العمالة الكويتية 95% منها مازالت تعمل في القطاع العام، و5% فقط في القطاع الخاص والعمالة في القطاع الحكومي تعاني من الرسوب المعرفي وقلة التدريب ويكفي أن نعرف أن 70% منها حملة شهادات الثانوية فأقل، وهذا من أهم مسببات الإخفاق الحكومي في تقديم الخدمات العامة، وفي القطاع الخاص العمالة تركيبتها ليست في صالح الاقتصاد، فهناك مليون عامل شبه أمي وعمالة هامشية، وهناك 500 ألف عامل يخدمون القطاع الحكومي أي أن لكل موظف كويتي عاملين يخدمه، والقطاع العائلي يوظف 500 ألف عامل أجنبي مقابل 11 كويتيا حسب إحصائيات التخطيط، وهناك 300 ألف عامل أجنبي أشباح موجودون في الكويت ولكن لا نعلم أين يعملون، بالإضافة إلى 23 ألف عامل كويتي أشباح، والعاملون الكويتيون في قطاع الأعمال 2000 مقابل 30 ألف رجل أعمال أجنبي، وهذا الإهمال في تنظيم قطاع العاملة نتجت عنه بطالة كويتية تربو على 20 ألف متقدم للعمل حسب إحصائيات إعادة الهيكلة، وطبعا إذا استمرت هذه السياسة في قطاع العمالة فإن معدلات البطالة ستزيد، فالآن يصل معدل انتظار الخريج الكويتي إلى سنة كاملة وهو مرشح للزيادة إلى سنتين وأكثر خلال الفترة المقبلة، فهذا القطاع بحاجة إلى إعادة هيكلة وهو للأسف الذي يضغط على الميزانية العامة وسيسبب العجز الحتمي لا محالة إذا استمرت السياسات الحالية لقطاع العمالة.


إعادة هيكلة القطاع الحكومي أصبح أمرا حتميا


الخطة الخمسية التنموية كان المفروض أن يتبعها إصلاح وتطوير إداري حتمي للأجهزة الحكومية، فأغلب وزارات الدولة قوانينها صادرة من القرن الماضي في الستينيات، وأيضا قانون الخدمة المدنية منذ سبعينيات القرن الماضي ولا شك أن الإدارة الحديثة تطورت تطورا هائلا يستتبعه أن تتطور معه أنظمتنا الإدارية، هذا التأخر التشريعي والتأخر في التطوير الإداري لأجهزتنا الحكومية هو السبب الأول في «الحفر» والمآزق التنموية التي نعيشها حاليا، ولعل من أهم مظاهر الإخفاق هو وصول معدلات الفساد إلى مرحلة متقدمة، فحسب إحصائيات منظمة الشفافية العالمية الكويت الدولة رقم 60 الأكثر فسادا في العالم وتقدمنا 6 درجات هذه السنة فأصبحنا الدولة رقم 54 الأكثر فسادا في العالم، ومن المعروف أنه لا تنمية مع فساد، فسنغافورة على سبيل المثال طورت أنظمة الشفافية ومحاربة الفساد لضمان التطور فأصبحت الدولة الثالثة في الشفافية على مستوى العالم، هذا من جانب ومن جانب آخر يعاني القطاع الحكومي من إخفاق في جودة تقديم الخدمات الحكومية وتعاني كثير من مؤسسات الدولة من إخفاق في تقديم خدماتها فوزارة المالية لم تستطع تنمية إيرادات غير نفطية ولم تستطع تطبيق القوانين الاقتصادية، وزارة التربية والتعليم تعاني من مشاكل كبيرة أهمها عدم القدرة على توفير التعليم العالي لأبناء الكويت وإخفاق الجامعة في قبول الطلبة، وهكذا، وعلى مستوى تنمية الموارد البشرية حدث ولا حرج، فأهمها عدم وجود خطة قوى عاملة لدينا لنعرف ماذا نريد خلال السنوات القادمة من قوى بشرية نبني عليها سياساتنا التنموية والتعليمية، وموضوع الرواتب والأجور الذي يستنزف الميزانية العامة.


وعموما المقصود إلى أننا بحاجة إلى رؤية جديدة في العمل الحكومي وإعادة اختراع أجهزتنا لتعمل وفق الأنظمة الحديثة فهذه الأجهزة هي التي ستقود أولا وأخيرا تطوير البلد فلابد أن تكون متطورة حتى تكون قادرة على التطوير.


ختاما هناك مؤشرات أخرى سنتعرض لها لاحقا بسبب عدم رغبتي في الإطالة مثل عدم تطبيق القوانين الاقتصادية كالخصخصة والمنافسة وقانون الاستقرار المالي.