سبر القوافي

حسين الشمري يفتح صفحات من كتاب ذكرياته في استراحة رمضان

قبل خمس سنوات تقريباً, وفي عز حماسي استطعت وبجهد من الصحفي – السابق – طالب اليامي, أن أصل إلى أخي الكبير وأستاذي ذعار الرشيدي –  أبو محمد –  ومازلت أتذكر تلك اللحظات  الفاصلة – بالنسبة لي – و مازلت أذكر تفاصيل تلك المقابلة وما دار فيها, لم أكن أعرف قبل حضوري ماهيَة الأسئلة، ولم أجهز أي مفردات، أو جمل مصفوفة, كنت حاضراً بحماس فقط! ولا شيء آخر.. 

وعند جلوسي في ( ديوانية الأنباء ) أول ما قاله لي أبو محمد:

 تدري اللي بعمرك الحين شيسوون؟

سكتُّ.. و قلت بعد ذلك: أدري!

ورد بسرعة، وقال: ( اللي بكبرك الحين يفرفرون بالمجمعات)!

أنت مستعد تصير صحفي؟

طبعاً أنا مستعد وبكل سرعة: ( إيه )

قال: ترى أي وقت نقعدك من النوم وتجينا..

قلت: ما عليه!

وطبعاً عندما يقول ذعار هذا الكلام, فأنت مقبل على دورة ( صاعقة صحفية ) وهذا ما حدث, لقد عملت في أكثر من قسم تقريباً!

وكنت في قمة (التوهق) إذ طلب مني عملاً  بحكم عدم معرفتي التامة!

ولكن بعد 8 أشهر تقريباً, استطعت أن أمارس حلمي بكل إتقان, وما تعلمته في 8 أشهر على يد أبي محمد يتعلمونه البعض في سنوات في الجامعة!

 ذعار الرشيدي معلم وصحفي خطير, ومزاجي من النوع القاتل!

وعندما يتحدث.. أنصت بهدوء، فهناك فكر محترم يخرج مابين الحروف.

علي المسعودي شخصية خطيرة جداً!

فهو إداري و قائد وكاتب وشاعر وقارئ ممتاز, وفي لحظة تستطيع أن تجعله صديقك, فهو يمتلك قلباً رائعاً, ومنذ معرفتي به ( في أحد الرحلات متجهين إلى أبوظبي ) وعملي معه أتساءل! كيف يمكن أن “يزعل” البعض من هذا الكائن اللطيف؟

وبعد فترة أيقنت أن هؤلاء لا يفهمون علي وهو لا يريد أن يفهمهم أصلا!

علي يحمل من الذاكرة الشيء الكثير, فقد شهد ولادة نجوم كثيرين, وشهد العديد من الحكايات السرية, وشهد الخذلان والنكران أيضاً!

وهو من الأشخاص الذين تستمتع بالسماع لهم دون مناقشتهم؛ لأن هناك قلًة يمارسون إبداعهم الكتابي في الأحاديث الكلامية, وعلي أحد هؤلاء القلة و كذلك هو كشًاف إعلامي خطير, وكم من شاعر استفاد  إعلاميا من فكره!

هناك مقولة مشهورة مازالت تتداول بين الشعراء: ( علي لو  يكتب فيك مقالة أنت خلاص صرت نجم)!

ولأول مرَة: ( يصدق الشعراء )!

ذلك الوقت كنت كثير السفر إلى أبي ظبي بحكم رعاية الأنباء لبرنامج “شاعر المليون” في الكويت ذلك الوقت, وقد كنت في كل مرَة أصعد فيها إلى الطائرة  أكتشف أمراً جديداً, سواء في أخلاق الرجال أو في عملي الصحفي!

 قابلت الكثير وصادقت الكثير وبان لي ( زيف الشعارات ) لبعض الأشخاص في مجالس الشيوخ والنخبة!

وكم من ( شعارات ) أسقطت تحت الأقدام  من أجل مال أو أشياء مادية غير ذلك, ومازلت أتذكر تزلف البعض وكذبهم والمجاملات الواضحة وأوراق القصائد التي توضع على الرف من أجل الالتفات إليها ليحصل كتابها على حفنة دراهم!

عرفت حينها ” أن في ( بلاط الشيوخ ) تسقط أقنعة الرجال “

مساعد بن جبران, كم أحبً هذا الرجل بالرغم من قلة التواصل, لقد اكتشفته في أبو ظبي ( وعند السفر تنكشف المعادن ) كان جميلاً ورائعاً ونعم “الخوي” والصديق وهذه الصورة كانت سريعة جداً  ولم يتوقعها مساعد وهي حكاية من مجموعة من الحكايات التي  جمعتني معه!

في أحد الرحلات وأثناء وصولنا  للكويت (أيام النوكيا ) أرسل لي  رسالة صوتيه عبارة عن بويتات – لا أمتلكها حالياً – يتحدث فيها عني وكانت محرجه بالنسبة لي خاصة أنني لست بشاعر لكي أرد عليه

ولكن ما استطعت  قوله إن.. مساعد أجمل من الشعر بكثير!

الشاعر الجميل (جمال الشقصي ) لم أكن أعرفه شخصياً بالرغم من أن قصيدته ( باص سارة ) لم تكن تفارق مخيلتي قبل لقائه, وأول شيء طلبته منه أن يسمعني القصيدة بصوته, ومع الوقت اكتشفت  أن  جمال الشقصي أجمل من قصائده.. وهنا هذا النص الفاخر:

صباح اللمّه بْثياب ( الدراسه الـزرْق).. و افطـارك
صباح الباص؛ ياخذ شنطتك؛ و يعـزي الحـارة!

صباح الصف.. وإنتي غارقة في صبغـة أظفـارك
عسى ما نّوه (أحمر أبلتك) في دفتـرك شــارة!!

صباح الحب.. ملّتْـه السطـوح يْراقـب أشجـارك
قُبَلْت مْراهقة ْعقلي؛ وأنا أطيب قلب يـا جـارة!

أجي كل ليل؛ أشردّ لك جنوني خارج أسـواااااارك
عبث أطفي سراج الوعي تـارة.. و أشعلـه تـارة

 سوالف قلب ما يسكت مـن الهـذي بْجمـر نـارك
خبى منه الجنون وْما عقَـل مِ الوهـمِ مشـواره !!

بنيت أسرار من طين العدم لجـل أفضـح أسـرارك
عساه العصر (من سطحي لسطحك) ولّد آثـاره ؟!!

جهلتيني ؟.. تحبيني ؟.. جهلتيني ؟..و أزهـارك:
خلص مني ورقها وْ ما حكت قلبك وش أخبـاره ؟!!

بعدني و مسكة كتابك.. جلوسك في وسط دارك
شكرت اللي نسى بابه؛ وشعرك طاحت أسـواره !!

أحبك.. والسكيك الضيقـه مـا ساعفـت جـارك !
وقلت أصحى: عسى صبح المدارس يفتح أزراره !!

و لا به شي في الآخـر سـوى كلمـه لأقـدارك :
(يـليت الباص ينساك الصباح؛ وْ يأخذ الحـارة) !!

  

هادي بن جامع ,,

 صادفته لأول مرة في( الأنباء) ولم أكن أتوقع بأننا سنشكل يوماً ثنائياً صحفياً..

وهادي على الصعيد المهني.. خطير جداً فهو شاعر وكاتب وناقد وصحفي بالفطرَة.

ولكن مشكلته الوحيدة والشهيرة مزاجيته القاتلة!

هو يمتلك قدرة على النجاح.. وترك ما عمل من نجاحات في ثوانٍ في سبيل أهداف نفسية, وقلّ من تجدهم (زاهدين) مثله!

ما زلت أتذكر تفاصيلنا في الجريدة وسهرنا حتى آذان الفجر, ومازلت أتذكر تفاصيلنا في الأحاديث عن الشعراء، ولكن كان هناك شيء يقتلني..

كان (هدوءه يقتلني) ولكن “ما يزَعل” !

وللعلم: هادي ترك (الجمل بما حمل) بكيفه بالرغم من رفض الإدارة ورفضنا ذلك! ولكن لا حيلة لنا.

وأعترف.. أنني  فقدت جزءاً كبيراً مني أثناء رحيل هادي عني ( واحة الأنباء )!!

  

اسألوا  (  مساعد بن جبران ) عن قصة الصورة!
و يا ليت ما يجاوب..

@HAlshammri