أقلامهم

جاسم بودي يقيم شرائح كويتية تعاطت وتعاملت مع السفارة الأميركية وظهروا في “ويكيليكس”

أبطال «ويكيليكس» 
جاسم بودي
 
 
بعيداً من نظرية المؤامرة، نقول إن وثائق «ويكيليكس» حقيقية وموجودة ولم تفبركها جهات استخبارية أميركية أو إسرائيلية.
وقريبا من الموضوعية، نقول إن مضمون بعض هذه الوثائق ليس دقيقا كونه انطلق من قواعد غير حرفية في النقل والتقدير.
كشفت الوثائق أشياء كثيرة بالنسبة إلى المنطقة والعلاقات بين سياسييها وبين سياسييها والأميركيين. لكنها كشفت أيضا أن بعض أفراد الطاقم الديبلوماسي والاستخباراتي الأميركي هم أقرب إلى الهواة منهم إلى المحترفين المسؤولين، وهذا الامر يشكل خطرا فعليا، لأن البرقيات المرسلة قد تساهم في تكوين قرارات مستندة إليها رغم ما فيها من أخطاء وليست مستندة إلى وقائع ومعطيات حقيقية. ولنا في ما يتعلق بنا في الكويت أكثر من مثال:
هناك برقيات حملت صفات «السرية والخصوصية» خلصت الى نتائج هي في الحقيقة مزيج بين رأي الضيف الذي التقاه هذا الديبلوماسي أو ذاك وبين رأي الديبلوماسي نفسه… وأحيانا هي مزيج من تمنيات الطرفين.
هناك برقيات تحدثت بكل ثقة مثلا عن شخص بعينه على أنه من فريق مستشاري صاحب السمو الأمير، وهو في الحقيقة ليس عضوا في الفريق ولم يكن عضوا.
وهناك برقيات تنقل أي عبارة مسيئة وتبني عليها موقفا أكثر إساءة يتعرض لرموزنا الذين أفنوا حياتهم في خدمة الكويت والكويتيين بكل صدق وأمانة وشرف وإخلاص، كما حصل بالنسبة إلى مقام سمو ولي العهد الذي رد الكويتيون جميعا على ما ورد في «ويكيليكس» بتأكيد رفضهم للوقاحة الأميركية والتفافهم حول رموزهم. 
وهناك برقيات خلصت الى ان الكويت لديها موقف رسمي عدائي من دولة مجاورة لأن أحد الوزراء مازح السفيرة عندما أخبرته ان المارينز أنقذوا بحارتها في المياه الاقليمية، وأعطاها طرفة وليس رأيا حكوميا… فصارت الطرفة موقفا.
وهناك برقيات تعرض لرأي الضيف ثم تضيف إليه رأي الديبلوماسي أو آراء ضيوف آخرين التقاهم في وقت سابق فتختلط المواقف وترسل على انها «مطلب» ملح.
وهناك برقيات تعرض لآراء مسؤولين فاعلين قريبين من مركز القرار ترسل بشكل خجول ومن دون توصيات بعكس برقيات تعرض لآراء أشخاص عاديين غير فاعلين على مختلف المستويات ترسل مع توصيات بالاهتمام.
والحقيقة أن التدقيق في الوثائق يحتاج الى مجلدات للكتابة عن ضعف بعضها، انما ما يهمنا في هذا المقام هو الجانب الكويتي الذي زوّد هذه البرقيات بالمادة المطلوبة اميركيا، إذ يمكن الإشارة الى نوعين: أصحاب رأي وهؤلاء نحترم آراءهم مهما كانت قاسية لأنهم صادقون في ما يقولون ومنسجمون مع انفسهم وخطهم. وسياسيون ومسؤولون حاليون وسابقون كانوا أقرب الى «المخبرين» وكاتبي التقارير وابعد ما يكون عن الموضوعية والالتزام.
بعض من طلب لقاء اركان السفارة «على عجل» أراد أن يحذر من «أزمة وطنية عامة» في حال حصل كذا وكذا وهو في الحقيقة يتحدث عن أزمته الشخصية ويتطلع الى حل لها عن طريق الاميركيين.
وبعض من التقى الاميركيين للحديث عن اوضاع البلد كان في الحقيقة يريد الحديث عن اوضاع ابن عمه او ابن خاله وعن استبعاده وتفضيل غيره عليه رغم أنه ليس متورطا بالفساد وغيره متورط… بل يذهب الى السفارة حاملا معه الوثائق التي تؤكد ذلك.
وبعض من التقى الاميركيين استفاد من سذاجتهم وفهمهم الخاطئ لأوضاع الكويت، وحصل منهم على اموال وتبرعات ومشاريع موهما اياهم بأنه رأس حربة الدفاع عن الديموقراطية والحريات وحقوق الانسان، وإذا بالنتيجة «صفرا» أو أقل بقليل… واذا بمن شحذ سرا يتسيد المنابر مهاجما الآخرين بأموال العم سام واحيانا يهاجم العم سام نفسه بحثا عن مصداقية وهمية تنقله من موقع المهرج والمترجم الى موقع الناشط السياسي.
وبعض من التقى الاميركيين زودهم بخطط سياسية وغير سياسية لأخصامه وحذرهم من أن هؤلاء سيصبحون معارضين في لحظة ما ان استبعدوا من السلطة وقد يلجأون الى خيارات لم تعهدها الكويت من أجل عودتهم.
أبطال «ويكيليكس» الاميركيون ليسوا أبطالا. هم موظفون، بعضهم غير محترف على الاطلاق وبعضهم الآخر لم يفهم طبيعة الكويت والكويتيين فنقل كل شيء وأضاف إليه رأيا كونه من عمله في مناطق أخرى.
وأبطال «ويكيليكس» الكويتيون ليسوا أبطالا. هم… «كل عام وانتو بخير».