أقلامهم

المقاطع يكشف إخفاقات عديدة في حكم المحكمة الدستورية بشأن الاستجواب

محمد عبدالمحسن المقاطع 
مآخذ جوهرية على تفسير المحكمة الدستورية
إن أمانة الكلمة ومسؤولية الرأي الدستوري من أهل الاختصاص، تتطلبان مواكبة المستجدات الدستورية والقانونية، ويوم الخميس الموافق 20 أكتوبر 2011، أصدرت المحكمة الدستورية قرارها التفسيري رقم 10 لسنة 2011، في طلب التفسير المقدم إليها من مجلس الوزراء، ويمكن أن نسجل بصورة إجمالية ما أخفقت به المحكمة، مشيرين إلى المآخذ القانونية الجوهرية المختصرة التالية (تاركين تفصيل الرأي لدراسة أوسع نقوم بإعدادها حاليا): 
1 – لم توفق المحكمة الدستورية حينما مدّت نطاق اختصاصها بتفسير الاستجواب، وكأنه من الممكن لها أن تتصدى لأي استجواب يطلب منها تفسير نصوص الدستور المتعلقة به، في محاولة واجتهاد منها لتجاوز معضلة قانونية مستقرة، ألا وهي أن اختصاص المحكمة بتفسير النصوص الدستورية يكون قد استنفد، بعد أن تتصدى لذات النص أو موضوعه بتفسير سابق، وهو ما تم فعلا، إذ إن المحكمة الدستورية قد استنفدت ولايتها في نظر تفسير المواد المقدمة لها بقرارات صدرت عنها سابقا، ولا يغير في هذه الحقيقة ما انتهت إليه المحكمة بعبارتها التالية «للمحكمة وحدها سلطة التحقق من توافر المناط في قبول الطلب على الوجه المتقدم، باعتبار ذلك هو الضابط الحاكم لتباشر اختصاصها في هذا الصدد»، وهو ما يعني أن المحكمة قد أعطت لنفسها سلطة مطلقة في تقدير قبولها طلبات التفسير لنصوص الدستور، وإن تكرر الطلب حول ذات النص، وهو إخفاق من جانب المحكمة جانبها الصواب بما انتهت إليه، إذ إن سلطتها بتفسير نصوص الدستور أساسا هي استثناء، ولا يجوز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه، وهو المبدأ المستقر الذي خرجت عنه المحكمة، وهي بذلك خرجت عن أحكام الدستور في قرارها. 
2 – أشارت المحكمة إلى أنه «بقرارات ملزمة للكافة، نافذة في شأن جميع سلطات الدولة» وعبارة المحكمة المشار إليها غير موفقة أيضا، باعتبار أن قرارات التفسير ليس لها منزلة الأحكام الخاصة بعدم دستورية القوانين واللوائح، وإذا كان الدستور في المادة 173 منه قد أضفى على هذه الأحكام صفة الإلزام المطلق في مواجهة الكافة، فإن ذلك لا يسري على القرار التفسيري لأحكام الدستور الذي له قيمة في إطار الترجيح بين الآراء، مع عدم إمكانية إلزام السلطات الأخرى به، وهو (أي القرار التفسيري) يختلف عن الحكم الصادر بعدم دستورية القوانين واللوائح، والذي جاء نص المادة 1 من قانون المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973، قاطعا بأن ما يصدر عن المحكمة من أحكام فقط هي التي تكون ملزمة للكافة، وفي هذا الصدد تنص الفقرة الأخيرة من المادة 1 على ما يلي: «ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر المحاكم». ومن ثم فإن المحكمة لم توفق حينما مدّت حجية الأحكام الصادرة منها على الكافة، إلى ما يصدر عنها من قرارات تفسيرية لا يمكن أن تسبغ عليها هذه الصفة إلا بنص صريح في الدستور ذاته، خصوصا أن سلطة المحكمة بتفسير الدستور مباشرة قد قررتها المحكمة لنفسها بقرارات سابقة، وهو أمر لا يتيح لها اليوم أن تقرر أيضا إلزامية قراراتها التفسيرية للكافة. 
3 – إن المحكمة، وهي تتصدى لطلب التفسير الذي صدر استنادا إليه قرارها التفسيري رقم 10 لسنة 2011، لم تتقيد حتى في المعيار الذي وضعته هي سابقا وقررته في قرارها الحالي، وهو أن اختصاصها يتولّد حينما يكون هناك خلاف بين مجلس الأمة والحكومة، أو بين أعضاء أي من السلطتين، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا ينبغي للمحكمة أن تعتبر مذكرات الدفاع التي قدمت أمامها بمناسبة تقديم طلب التفسير، هي واقعة الخلاف التي استنادا إليها يتحقق شرط ممارسة اختصاصها في هذا الخصوص، وهو مأخذ مسجل على قرار المحكمة رقم 10 لسنة 2011. 
4 – إن المحكمة قد أخفقت في تحديد المصطلح السليم للسياسة العامة للحكومة لغويا وقانونيا، فمجرد المغايرة بين اللفظين لا يعني بالضرورة اختلاف مفهوم كل منهما، بحيث تكون المسؤولية عن السياسة العامة للدولة أمام الأمير كما ذكرت المحكمة، في حين تكون مسؤولية رئيس الوزراء أمام مجلس الأمة، مقصورة على السياسة العامة للحكومة، رغم أن نص المادة 123 في عبارته السابقة على الفقرة التي استندت إليها المحكمة، تقرر هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة، وهو اختصاص واسع أحد عناصره هو السياسة العامة للحكومة من دون أن يكون مقصورا عليها، وما يؤكده ذلك أيضا هو إكمال قراءة حكم النص في شطره الأخير أيضا، وهو ما يعني أن المحكمة جانبها الصواب حينما جزأت النص الواحد وقطعته أوصالا، واستشهدت بالمغايرة بين نصين مختلفين، ولم تكمل النص ذاته، وهو ما يخالف أساسيات قواعد التفسير القانوني، بل نضيف إلى ذلك أن المذكرة التفسيرية للدستور قد أوردت صراحة تماثل المسؤوليتين لرئيس مجلس الوزراء أمام الأمير وأمام مجلس الأمة بالعبارة الصريحة التالية: «كما أُبعد عنه مسببات التبعية، وذلك بالنص على أن رئيس الدولة يتولى سلطاته بواسطة وزرائه (مادة 55)، وهم المسؤولون عن الحكم أمامه (مادة 58)، وأمام مجلس الأمة (المادتان 101 و102)». وأمام صراحة نص المذكرة التفسيرية، فلا محل لاجتهاد تفسيري جديد يغير من مفهوم مستقر قصده وأراده واضعو الدستور، والذي تحتل بسببه المذكرة التفسيرية قيمة تماثل قيمة الدستور ذاته، وهو ما يؤكد أن المحكمة لم توفق في قرارها. 
5 – إن المحكمة في قرارها التفسيري قد أشارت إلى أن استجواب رئيس الوزراء «ينحصر نطاقه في مجال ضيق»، وهذا التفسير الذي انتهت إليه المحكمة يخالف أساسيات مسؤولية رئيس الوزراء السياسية التي نطاقها واسع بحكم المواد (52 و57 و100 و101 و102 و103 و123 و126 و127 و128 و129 و130) من الدستور التي تشكل بمجموعها مع مواد أخرى ـ منها مثلا المادة 150 من الدستور ـ عماد المسؤولية الوزارية لرئيس الوزراء والمسؤولية التضامنية للحكومة، وجميعها تصلح أساسا لاستجواب رئيس الوزراء، وفي هذا أيضا جانب المحكمة الصواب. 
اللهم إني بلّغت،،