أقلامهم

أحمد الجارالله: بيت الحكم السعودي مدرسة في الدول المستقرة التي لا يخاف فيها المواطن من غد طالما هناك قيادة تسهر على رعايته

نايف بن عبدالعزيز… الدور والمكانة


أحمد الجارالله


بيت الحكم في المملكة العربية السعودية هو المثال الأكثر وضوحا على أن إدارة الدولة استمرارية, وهذا ليس محل جدل عند من عرف طبيعة صناعة القرار فيها, على العكس من تلك الأوهام التي ألهبت خيالات رؤوس بعض المتربصين بالمملكة, ممن يضمرون الشر لها وللاقليم ككل, إذ هؤلاء وحدهم الذين أكثروا في الحديث عن أزمة ما ربما تواجه قيادة المملكة في اختيار خلف للأمير سلطان, وطالعتنا وسائل الاعلام الايرانية ومن يدور في فلكها, بالكثير من الترهات  والهذيانات في هذا الشأن كشفت ان كل اولئك لا يعرفون هذه الطبيعة الفريدة في العلاقة بين أعضاء الأسرة الحاكمة, كما أنهم يعانون من رهاب التغيير كسنة طبيعية لأنهم جاءوا الى السلطة على ظهر دبابة, وليس ببيعة تتجدد عندما تحين المناسبة.
نرثي لكل الذين غرقوا في أوهامهم طوال الأيام القليلة الماضية, ولضحالة فهمهم لمعنى الدولة المستقرة التي تعمل مؤسساتها بتوقيتها الخاص وليس على ايقاع “تكتكات” عقارب ساعات توقيت مفخخة بألف احتمال وخوف على المنصب, ولا يشغلها فحيح افاعي لا تنفك تنفث سمومها في كل امر اذا ما تعلق بالحاضرة العربية والاسلامية الأولى في العالم.
اختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز وليا للعهد كان متوقعا, لأن رحم بيت الحكم المستمر منذ مئة عام ولاد, والأكفاء لتولي شؤون الدولة كثر, ولكل واحد دوره ومكانته وفرصته التي يعرف متى تحين, ولهذا لا يحدث أي فراغ في مركز القرار, كما كانت المسألة طبيعية لكل من تابع هذا السيل العرم من الناس, أكان من داخل المملكة أم خارجها, للتعزية بالأمير سلطان أن يرى بيعة جديدة للقيادة السياسية, وللثقة المطلقة من الشعب الذي أدرك منذ زمن طويل أن لا بديل له عن هذه القيادة فيما هي تعمل بحكمة وحنكة على تقديم كل ما يخدم استقرار وتقدم بلادها وشعبها.
هذه المؤسسة الحاكمة المستقرة تأسست منذ البداية على التعاضد والتآلف واحترام الصغير للكبير ما وفر لها الديمومة في العطاء, رغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة, والمحاولات الاثمة لتصدير الايديولوجيات الغريبة عن المجتمع السعودي, وكان في كل ذلك الأمير نايف بن عبدالعزيز ركنا اساسيا في التصدي لها بسبب تمرسه في السياسة والأمن منذ نعومة أظفاره, واستطاع ببعد نظره إن يخرج المملكة, وفي احلك الظروف العربية والدولية, من موجة الارهاب التي ضربتها, في حين كانت تغرق دول اكبر من السعودية في مستنقع القلاقل الأمنية, وتعجز بما اوتيت من قوة عن كبح جماح التطرف فيها, بل ان هذا النجاح لفت انظار الكثير من المسؤولين العرب والاجانب.
ولي العهد الجديد واستنادا الى قناعة أن المناصب تكليف وخدمة وطنية عظيمة, يقبل على تحمل أعباء جديدة تضاف الى ما تنكبه من مسؤوليات, وارهاق اخر لهذا الرجل المخضرم, لكن من عركته التجربة وعاصر حركة تطور المملكة منذ بدايتها يدرك تماما أن الخدمة الوطنية بكل متاعبها مبعث راحة, وهذا ليس شأن الأمير نايف وحده, بل إننا شاهدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, ورغم تحذير الأطباء له, يتقدم مستقبلي جثمان الأمير سلطان ويتقبل العزاء, ولم يتأخر يوما عن تلبية نداء الوطن حتى في اصعب الظروف الصحية التي مر بها.
وعود على بدء, فإن الحقيقة التي لا يستطيع أن ينكرها أحد أن بيت الحكم السعودي مدرسة في الدول المستقرة التي لا يخاف فيها المواطن من غد طالما هناك قيادة تسهر على رعايته, ولا تعاني اختيار من يتولى المسؤوليات.