أقلامهم

محمد الجاسم يرى أن العقلية التي تسيطر على السياسة هي عقلية العناد

محمد عبدالقادر الجاسم
ثمن النجاح! 
من الواضح الآن أن التعامل مع الوضع السياسي السائد في البلاد لا ينطلق من قاعدة منطقية، بل أساسه العناد. وعقلية العناد والتحدي لا دستور لها، وهي عقلية مدمرة تكشف عن قصر نظر شديد. ووفق منطق العناد، حققت الحكومة يوم أمس الأول مكسبا حين نجحت في استبعاد الاستجواب الموجه إلى رئيسها من قبل النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري من جدول مجلس الأمة، لكن هذا المكسب ساهم إلى حد كبير في تعبئة الرأي العام ضد الحكومة واستفز الشباب فصدرت دعوات من هنا وهناك تطالب بالقيام بتحرك شعبي أكثر جرأة مثل المبيت في ساحة الإرادة.
إن استمرار العناد وارتكاب السلطة للأخطاء الاستراتيجية هو ما تحتاجه المعارضة، ذلك أن الواقع يرشدنا إلى أن المعارضة لم تتمكن حتى اليوم من تشكيل «جبهة شعبية» متماسكة تفرض نفسها في الشارع السياسي وقادرة على التأثير على السلطة وتوجيه قراراتها، فسنوات «الخمول الشعبي» طالت، ومن الصعب التخلص من آثارها خلال فترة زمنية قصيرة، ومن هنا فإن تراكم أخطاء السلطة هو الأداة الفعالة لحشد وتحفيز الرأي العام.
وبصرف النظر عن النتيجة النهائية للمسار الحالي للأحداث السياسية، فإن أحاديث الشباب بدأت تتناول المستقبل.. نعم بدأت الأسئلة تطرح حول شكل العلاقات السياسية في العهد القادم، بما في ذلك وضع الأسرة الحاكمة ومآل الخلافات الحالية بين الشيوخ.. كما تم طرح أسئلة حول دور مجلس الأمة في تعيين ولي العهد القادم ومدى إمكانية تشكيل رأي عام ضاغط يتدخل في اختيارات العهد القادم لولي العهد ولرئيس الحكومة.
ما أريد قوله هو أن نتائج الحراك السياسي الحالي تتخطى بكثير الوضع الراهن ومصير ناصر المحمد، إذ أرى فيه إعادة نظر في القواعد المستقرة للعلاقات السياسية بين الشعب والأسرة الحاكمة. بمعنى أنه إذا كان الواقع السياسي يمنح الأسرة الحاكمة اليوم «مزايا وسلطات» خارج نطاق الدستور تحت تأثير اعتبارات اجتماعية، فإنني أتوقع أن يتوقف تأثير تلك الاعتبارات وتتقلص المساحة المتاحة حاليا للأسرة الحاكمة على نحو يتوافق مع الحدود الدستورية ولا يتعداها.
إن الحراك السياسي الشعبي الحالي يتضمن مسارين.. مسار يسعى فيه أنصاره إلى تحقيق إنجازات فورية تتمثل في حل مجلس الأمة واستبدال الحكومة الحالية ورئيسها.. ومسار أهم وأعمق وهو مسار إعادة صياغة العلاقة السياسية بين الأسرة الحاكمة والشعب في حدود الدستور وتقليص الصلاحيات «الإضافية» التي تتمتع بها الأسرة اليوم. وعلى السلطة أن تدرك أن أي «انتصار» تحققه اليوم في مواجهة الرأي العام، تقابله حتما خسارة مستقبلية.
إن ثمن نجاح السلطة اليوم في إسقاط استجواب هو فقدان جزء من رصيدها الشعبي.