أحمد الديين
اقتحامات البرلمانات!
في فبراير من العام 1951 قادت المناضلة من أجل حقوق المرأة ورئيسة تحرير مجلة “بنت النيل” المرحومة درية شفيق مظاهرة نسائية ضخمة توجهت إلى مبنى البرلمان المصري في العهد الملكي وذلك للمطالبة بإقرار الحقوق السياسية للمرأة… ويوم الأربعاء 16 يوليو 2008 حاول العاطلون عن العمل في المغرب احتلال مبنى البرلمان في العاصمة الرباط، وتكرر الأمر يوم الجمعة 21 مايو من العام 2010، وشهد المغرب آخر محاولة لاحتلال البرلمان يوم الجمعة 8 أبريل من العام الحالي وذلك للمطالبة بدستور ديمقراطي… وسبق أن اقتحم المتظاهرون المحتجون مبنى البرلمان التايلندي بشاحنة في 4 يوليو من العام الماضي 2010، وكذلك الحال في اليونان في يونيو الماضي عندما استهدف المحتجون احتلال البرلمان لإفشال جلسة مناقشة مشروع قانون زيادة الضرائب، وأخيرا فقد استهدفت مسيرة غاضبة اقتحام مبنى البرلمان في كوريا الجنوبية يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري وذلك احتجاجا على اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية … هذه بعض نماذج عربية وعالمية لممارسة بعض الشعوب اقتحام البرلمان وسيلة للتعبير عن الاستياء والاحتجاج، التي لم تكن بدعة كويتية!
أما في الكويت فقد سبق لمجموعة من المواطنين التعبير عن استيائهم من السلوك الاستفزازي الحكومي في العام 2006 عندما أحالت الحكومة مشروع القانون الذي تقدّمت به حينذاك في شأن الدوائر الانتخابية العشر إلى المحكمة الدستورية بهدف المماطلة، ما دفع الجمهور الحاضر جلسة مجلس الأمة المنعقدة يوم الثلاثاء 16 مايو من ذلك العام إلى ترديد الهتافات الساخطة؛ وصعود النواب المعارضين للحكومة إلى منصة الرئاسة وتعطيل الجلسة، وفي اليوم التالي الأربعاء 17 مايو انطلق مئات من شباب حركة “نبيها خمس” في مسيرة حاولت دخول مجلس الأمة عبر البوابة الجنوبية ثم انتقل الشباب إلى البوابة الرئيسية المقابلة لساحة الإرادة حيث صدّهم حرس المجلس، وقد منع الشباب دخول سيارات النواب المعارضين لإصلاح النظام الانتخابي وكذلك الوزراء إلى مبنى المجلس من تلك البوابة، وبعدها انسحب النواب المؤيدون لمشروع الدوائر الخمس من الجلسة والتحقوا بالمتجمهرين أمام بوابة المجلس ما أدى إلى إفشال تلك الجلسة أيضا، وكانت محاولة الدخول الجماعي إلى مبنى المجلس في ذلك اليوم المشهود نتيجة تخطيط وعن سابق إصرار وتعمّد، ولم تكن ردّةّ فعل عفوية غاضبة مثلما حدث مساء يوم الأربعاء الماضي!
باختصار، فإنّ الدخول الجماعي إلى مقار البرلمانات أو اقتحامها إنما هي ممارسة احتجاجية معتادة في كثير من بلدان العالم، وفي هذا السياق يفترض التعامل مع ما حدث مساء الأربعاء، وذلك بعيدا عن التهويل والتضخيم والمبالغات، ناهيك عن محاولة الحكومة والأطراف المحسوبة عليها صرف الأنظار عن الأزمة السياسية العميقة التي تعيشها الكويت والتركيز على الحدث العرضي العابر، الذي قد يعترض عليه مَنْ يعترض، وقد يخطئه مَنْ يخطئه، ويرفضه مَنْ يرفضه، فهذا أمر طبيعي، ولكن ذلك الحدث، مهما كان الرأي حوله والموقف تجاهه، إنما هو مجرد مظهر من مظاهر تفاقم الأزمة السياسية المحتدمة التي لم تبدأ مساء الأربعاء مثلما لا يمكن اختزالها فيه… والأسوأ من ذلك كله أن يجري استغلال ذلك لتمرير مشروع سلطوي جديد للتضييق على حرية الاجتماعات العامة، ومنع عقد الاجتماعات العامة، وإطلاق حملة ملاحقات سياسية جديدة تحت غطاء قانوني ضد بعض عناصر المعارضة، وهذا ما من شأنه تعقيد الأزمة واستفحالها، بينما المفترض أن يبدأ البحث الجدّيّ عن مخارج سياسية مناسبة لحلّ هذه الأزمة تبدأ برحيل هذه الحكومة ورئيسها غير المأسوف عليهما.
أضف تعليق