أقلامهم

عبداللطيف الدعيج: الحكومة بملاحقتها التعسفية للشباب فقدت التعاطف الذي حصلت عليه بعد حادثة الاقتحام

عالم الشباب
عبداللطيف الدعيج 



قبل اكثر من عشر سنوات كتبت «عالم اليوم هو عالم النشء ودنيا الشباب.. مشكلتنا هنا في هذه البقعة من العالم اننا لا نزال نعتقد ان «الكبار» هم الادرى وهم الافهم والأقدر على التعامل مع التحديات». عندما تشكلت اللجنة الاستشارية الاقتصادية قبل اسابيع كتب السيد علي البداح ما معناه ان أعضاءها مأخوذ خيرهم وان المفترض ان يتم التعرف على وجهة نظر الشباب في هذه الايام. كتبت اثني على ذلك وانوه به. بعدها كتب الزميل محمد عبدالقادر الجاسم يتمنى لو ان الديوان الأميري يستمع الى الشباب ويتعرف على آرائهم. وامس قال الزميل غانم النجار ان الشباب هم من يحرك النواب ومخطئ من يظن العكس. وربما كان هذا واضحا منذ حركة «نبيها خمس».
ابحث عن اسم Thomas Suarez في الانترنت سيقودك البحث الى طفل، وانا افضل هنا استخدام كلمة شاب، في ما يعادل الصف الثاني متوسط، اي انه في الحادية أو الثانية عشر من عمره، «توماس» مصمم لبرامج والعاب للكمبيوتر وانشأ ناديا لخدمة المدرسة والمنطقة يتعلم فيه الطلبة مع «الاساتذة» كيفية البرمجة. المهم انه اثناء تقديم منتجاته صرح بحياء بانه «.. في هذه الايام، التلاميذ – في العادة – يعرفون اكثر قليلا من اساتذتهم» وهذه في الواقع حقيقة لم ينكرها احد من البالغين الذين كانوا يستمعون لمحاضرة الشاب النجيب. لم يكتف توماس بذلك بل واصل ان هذه «تشكل في الواقع ذخيرة للمعلمين»، واضاف ان «المربي يجب ان يعترف بهذه الذخيرة وان يستغلها جيدا لمصلحته». يعني بالعربي يتعلم من تلاميذه!!
انا ايضا كتبت قبل عشر سنوات انه «.. في مجتمعات اليوم وعالم القرن الواحد والعشرين.. الحياة متطورة والاشياء متسارعة والوقائع متجددة ولا شيء يكاد يثبت على مدار الساعة. لذا فان المعرفة قد حلت محل الخبرة، والعلم بدل الحكمة، وابن اليوم أو التو اصبح اكثر «حكمة» وارجح رأيا من حكيم الامس أو شيخ الزمن الذي ولى».
لا ندعو الى التعلم من الشباب – مع اننا قد لا نكون مخطئين كثيرا ان دعونا الى ذلك – فربما هذه راديكالية متطرفة، أو ربما تصح في التكنولوجيا وليس في الاجتماع أو السياسة. لكن أليس من الافضل ان نستمع لهم بدلا من «الحقران» والعناد اللذين تصر على ممارستهما حكومتنا هذه الايام.
* * * *
تكفي الإدانة السياسية
اغلب الناس هنا ادانوا واقعة اقتحام مجلس الامة. وكما قلنا، فان من اراد دق مسمار في نعش الحكومة، رمى لها بطوق نجاة. لكن حكومتنا التي تعتقد انها تجيد السباحة، تجاهلت طوق النجاة وتمضي باصرار وعناد على السباحة ضد التيار.
الآن اغلبية الناس ضد الحكومة، ليس بالضرورة ان يكونوا مع جماعة المقاطعة، لكن تبقى معارضتهم في هذه الاحوال محسوبة لمصلحة جميع المناوئين والمعارضين للحكومة. كان من المفروض ان تكتفي الحكومة بالادانة السياسية لحادثة الاقتحام، لانها، وكما اشار بيان الجماعات الوطنية، واقعة «سياسية» وكان من المفروض ان تعالَج بوصفها كذلك. والواقع ان الحكومة – في البداية – تعاملت معها بوصفها كذلك عندما حشدت المؤيدين ودفعت المتطوعين أو حتى المترددين لادانة الواقعة، وقد كسبت الحكومة بسبب هذا الشارع. لكن تحويلها الى قضية جنائية ثم التمادي في قمع وترهيب المتهمين واهاليهم افقدا الحكومة الكثير، أو لنقل كل الشعبية أو التعاطف الذي تحصلت عليه في الايام الماضية.
الآن بعد الاصرار على تطبيق القانون ومحاكمة المتهمين من الذين اقتحموا مجلس الامة، الآن لا تملك الحكومة الا التعامل بشكل قانوني ودستوري كامل وواضح مع المتهمين ومع التهم الموجهة اليهم ومع كل اجراءات التحقيق والاحتجاز. ان الحكومة حاليا لا تواجه معضلة أو تهمة الايداعات المليونية، فهذه تهمة ليست ثابتة، كما ان مؤيديها لا يرقون الى الاغلبية التي قد تطيح بالحكومة أو تجبرها على الاستقالة. الحكومة تواجه حاليا اغلبية نيابية يزعم البعض، وقد يكون محقا، انها تجاوزت الستة وعشرين نائبا، وهو ما يكفي ويزيد لاعلان عدم التعاون مع الحكومة ورئيسها. هذه الاغلبية المزعومة تتهم الحكومة بتعطيل الدستور والعبث به عبر محاولة حرمان نواب الامة من ممارسة حقهم في استجواب رئيس الحكومة.
طبعا دائما هناك جدال حول القضايا والتهم السياسية، الحكومة تنضم بكفاءة الى معارضيها في قضية وكيفية التعامل مع متهمي اقتحام مجلس الامة. فهي بممارستها للتعسف وباعتدائها الموثق على المتجمهرين وعلى اهالي الموقوفين تؤكد تهمة «انتهاك الدستور»، وتثبت صحة التهم التي توجه اليها هذه الايام. ربما هنا شك أو عدم وضوح في مدى دستورية أو لا دستورية الاستجوابات التي تتهرب منها الحكومة، لكن ليس هناك ادنى شك في الانتهاكات التي تمارسها الحكومة ضد الموقوفين أو المتعاطفين معهم.