كتاب سبر

الكويت على مفترق طرق

احتشدت في الكويت أمس قوى أهلية وشبابية وسياسية ونقابية معارضة للمطالبة برحيل الحكومة، في تجمع وصف بأنه الأكبر على الإطلاق بفعل الإحتقان الذي ولدته عدة أحداث متتالية على مدى سنوات وعلى أثر احتجاز شباب متهمين باقتحام مجلس الأمة الكويتي، و”الاقتحام” فسره متعاطفون بأنه مجرد تصرف عفوي هيأت له ملابسات الحدث وحيثياته، ورسالة بأن المعارضة ترغب باستعادة مجلس الأمة بعد أن استولت عليه الحكومة عبر التزوير ورشوة النواب حسب منظورهم، بينما صورته أوساط قريبة من الحكومة بأنه رسالة رمزية مفادها أن هناك مخطط للاستيلاء على الحكم.
وعلى الرغم من أن كلا الطرفين ليس بريئاً تماماً من التلاعب بالكلمات ومحاولة تضخيم أو تهويل المواقف لتسويق فكره وأجندته، عبر قنوات إعلامية وصحف ومواقع التواصل الإجتماعي تويتر وفيسبوك والعزف على أوتار الطوائف والقبائل والعنصرية لتصل أحياناً لتحول بعض الوسائط الإعلامية لبث متواصل للنحيب والتفجع والشكوى لـ”شيطنة الآخر” في استغلال بشع لمشاعر البسطاء وربات البيوت، كان الحال كذلك للسنوات الثلاث الأخيرة لكن تطوراً لافتاً سوف يغير مسار الأحداث اعتباراً من حادثة إقتحام مجلس الأمة.
فبعد حادثة اقتحام مجلس الأمة والتي في رأيي يجب أن لا تفصل عن السياق العربي والعالمي ، كما رأيناها في تحركات عديدة حول العالم كما هو الحال مع حركة احتلال وول سترست أو إحتلال طوكيو أو أوكلاند وامتداداً لديناميكيات الحركات الشبابية العربية،بعد تلك الحادثة وجدت الأوساط التي تتعيش على تأزيم العلاقة بين أطراف السلطة والمعارضة ضالتها،وبدأت بالمتاجرة بتلك الحادثة وتصويرها على أنها أمر مخطط ومدروس، بل ولم تتورع عن وصمه بأنه تمرد قبلي يهدف للانقلاب على الحكم،وقد كان حل مجلس الأمة قاب قوسين أو أدنى، لكن ترددت أنباء أن قطب برلماني كبير لعب دوراً بارزاً للحيلولة دون الحل، وتم تفويت فرصه أخرى نحو التخفيف من الإحتقان  عبر صناديق الإقتراع، وبدلاً من السعي نحو احتواء وتطويق الخلافات وفهم حتمية التعامل الإيجابي مع ترددات الموجة الشبابية العالمية والطاقة التي تولدها في مجتمعنا الصغير والتناغم معها، ظهر خطاب حكومي مستفز على لسان أحد وزراءها والدْي زاد بتصريحاته الغير حكيمة الطين بله.
مشكلة الحكومة أنها لم تحاول تفهم أن ما يحدث اليوم هو في الجزء الأكبر منه هو حصاد مر لسنوات من السياسات الفاشلة والتحالفات مع أطراف إنتهازية لا تتمتع بالاستقامة أو النزاهة أو حتى العمق الاجتماعي على أقل تقدير، والتعدي على المواطنين والنواب جسدياً وعدم التصدي لظاهرة الفساد وغسيل الأموال واستخدام أدوات نيابية وإعلامية تعيسة تتفنن في استفزاز مشاعر الناس وخلق عداوات للحكومة كانت في غنى عنها ورعاية إعلام مستهتر يضرب القبائل ويشكك في مواطنتها ويحتقر العديد من شرائح المجتمع. 
وفي نفس الوقت لا يمكن أن يغفل أي منصف أن الحكومة واجهت بدورها في كثير من المراحل إستهدافاً وشخصانية من بعض الأطراف النيابية،بل وواجهت في بداياتها إستجوابات لا يمكن أن توصف إلا بالكيدية لكونها كانت تتعمد مراراً وتكراراً القفز بالمساءلة من إستجواب الوزير المختص عن أعمال وزارته إلى إستجواب رئيس الوزراء مباشرة. كما أنها واجهت المشكلة المزمنة والعالقة وهي عدم وجود أغلبية برلمانية مريحة تمكنها من أداء مهامها وتنفيذ خططها كما هو الحال في النظام الديمقراطي، وانعدام التنظيم الحزبي الخاضع للرقابة والمحاسبة،وعدم وجود حكومة منتخبة أصلاً، وهو المأزق الذي تعاني منه البلاد، وعبر عنه صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح  في تصريحات لمجلة فرانكفورتر الألمانية العام الماضي بإشارته إلى أن الدستور مزج بين النظامين البرلماني والرئاسي وهذا الوضع تسبّب بتداخل السلطتين وتنازعهم.وأيضاً لا يخفى على أحد أن حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح هي الأولى في تاريخ الكويت التي دشنت مرحلة فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وقد حمل سموة على كتفية أعباء نقل الكويت من مرحلة حصانة رئيس الوزراء بوصفه ولياً للعهد إلى مرحلة اللاحصانة وبالتالي وبلا إصلاحات حقيقية سيبقى السيناريو المقبل مرشحاً للإستمرار، خصوصاً في ظل تردد مطالبات لا يعرف حتى الآن مدى جديتها نحو شعبية منصب رئاسة الوزراء.وبالتالي يصعب التكهن بانتهاء المأزق.
اليوم أمام الكويت تحدٍ كبير، ربما بات مؤكداً أن عليها أن تتجرع الدواء المر،و تستل ورقة من كتاب التاريخ وتتعلم من دروسه فتجري انتخابات حرة ونزيهة، وتنظف بيتها الداخلي وتشكل حكومة ائتلاف وطني مع المعارضة كما كان الحال مع حكومة 92 ولكن بدور أساسي للمعارضة وتستفيد من الطاقات الشبابية وتوظفها لصالحها، وتعيد توحيد الخطاب الإعلامي وتخفيف الاحتقان السياسي ومعالجة الجروح العميقة التي خلقها الإعلام المأجور الذي يتعيش على خلق الصراعات والفتن.ومن ثم معالجة الخلل في النظام السياسي لتؤمن مناخاً أكثر إستقراراً وإنتاجية. ومن جانب آخر على المعارضة أن تغلب المصلحة العامة و تتخلى عن لعبة تهشيم الرؤوس واللعب بالنار، على جميع الأطراف اليوم الانحناء أمام العاصفة الإقليمية والتعاون من أجل الوطن ودفن الأحقاد فكما قال أحد القادة العرب كل شيء ممكن أن يحدث في الشهور المقبلة،ولا نعرف في أي لحظة سيقفز ملف أكثر خطورة من القضايا العالقة إلى السطح، فالحريق وصل لطرف الثوب، وهناك قارب واحد فحسب يحملنا جميعاً وكويت واحدة فحسب لا تحتمل المزيد من المغامرات خصوصاً والوضع الإقليمي أشد هشاشة مما نتخيل.
سلوى السعيد 
باحثة واستشارية كويتية