يوسف مبارك المباركي
الذكرى الــ49 للدستور.. تواجه بالتنقيح له
مرت ذكرى ولادة الدستور الذي صدر في 1962/11/11 بعد كفاح ابتدأ منذ عام 1921 مروراً بعامي 1938 – 1939 الى ان تكرس دستوريا عام 1962، أُريقت فيه دماء بعد وسجن وتعذيب وليس كما يصور البعض بان الدستور هبة من الحاكم، لكن الكويت آنذاك كانت محظوظة بوجود شخص بوزن المغفور له الشيخ عبدالله السالم، لما يتمتع به من بعد نظر لضمان حكم الصباح، فضمنه وبموجب المادة الرابعة وجعل الشعب شريكا بالحكم من خلال المادة السادسة بأن الامة هي مصدر السلطات جميعاً، بهذا الفعل حصن الكويت مما يسمى هذه الأيام بالربيع العربي وأتى عليها ما هو أسوأ، اذ ضاعت الكويت خلال ساعتين في 1990/8/2 من غزو عراقي، ونحن بهذه المناسبة نسجل كل الشكر لمن ساهموا في وضع هذا الدستور مثل العم يعقوب الحميضي ود. أحمد الخطيب، ونترحم على الاموات منهم لما عندهم من بعد نظر في تحصين هذا الدستور وعقدوه عقدة يعجز الشيطان عن فكها، وان كانت فكرة الغاء الدستور موجودة منذ ولادته لدى أعداء الديموقراطية، وهذا ليس مجرد اتهام وانما ادلل عليه بالبرهان، ففي 1967/1/25 قامت السلطة بتزوير الانتخابات وسرقت الصناديق امام المواطنين بالتلفاز فسمي الفصل التشريعي الثاني بالمزور، الى ان القى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك المغفور له الشيخ جابر الاحمد خطابا لقب ببيان حزيران اعتذر فيه من تصرف السلطة، ويدعو المعارضة الى المشاركة في الانتخابات، وفي 1976/8/29 وقع التعدي الأول على الدستور، فظل الدستور مجمدا وعادت الحياة النيابية عام 1981 بعد تفتيت الدوائر من 10 الى 25 دائرة لاسقاط المعارضة ولضمان تعديل الدستور، وبالفعل تقدمت الحكومة آنذاك بالتعديل، لكن اصطدمت بصخرة الواقع بعد ردة فعل الشارع آنذاك وسحبت طلبها، حيث اكمل هذا المجلس دورته ولقب بالمجلس المريض، بعدها جاء مجلس 1985 الذي لم يستمر عدة اشهر فوقع التعدي الثاني، فكانت اربع سنوات عجاف، خلالها تم التحرك الشعبي السلمي آنذاك، فهذا يسمى الربيع الكويتي لخصوصيته والعلاقة المميزة بين الحاكم والمحكوم، الا ان السلطة فوجئت وهي التي صور لها آنذاك اعضاء بالحكومة غير الدستورية، واليوم يوجد بعضهم مع الأسف اعضاء بالسلطة التشريعية، يا له من تناقض عجيب، يبقى هدفهم واحدا هو الحفاظ على مصالحهم الشخصية.
لكن فوجئت السلطة بسلسلة لقاءات دواوين الاثنين، مما اضطر الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، آنذاك بان يلقي خطاباً في 1990/1/20 يحث فيه المعارضة على ان هذا الاسلوب لن يوصلنا الى الهدف المنشود، فكان هناك حوار استمر ثلاثة أشهر الى ان اصدرت السلطة قرارها ضاربة عرض الحائط بكل الآراء التي قيلت عن عودة العمل بدستور 1962، فأنشأت ما يسمى بـ «المجلس الوطني»، وهو المجلس الذي لا يحاسب ولا يراقب ولا يشرع، مما ولّد ردة فعل عنيفة مما حدا القوى الوطنية الى مقاطعة المجلس اقتراعاً وترشحاً، ولم تعد الديموقراطية الا بعد الغزو العراقي في 1992/10/5، كل هذا كان على حساب التنمية، فالسلطة ضمنت ان الأمور كانت بيدها لكن الغزو خربط جميع حساباتها، ومنذ التحرير وحتى هذا اليوم غيرت السلطة طريقتها عبر وسائل اخرى لتفريغ الدستور من محتواه، حتى أصبح هذا المجلس يضم %44 من اعضائه محالين الى النيابة العامة لتضخم حساباتهم، وللعلم بان هذه الحادثة ليست بجديدة وانما حلقة موصولة وليست مفصولة عن سابقتها، لقد تمت تهيئة الأرضية عبر أحد الأعضاء في المجلس الحالي باعطائه مقاولة تنقيح الدستور، علماً بان الترتيب كان خطيرا جداً وهو التحضير لعمل استفتاء شعبي على الدستور، مما استلزم تدريب القوى الأمنية للمواجهة مع المواطنين ان خرجوا بالشارع، وما ضرب النواب في ديوان الحربش جاء من فراغ أو تهور! بل هو مدروس ومخطط له، لكن الربيع العربي الذي اصاب العالم فاجأ السلطة مما جعلها تجمد مشروع الانقضاض على الدستور، يبقى هذا الدستور هو عقدة لدى سلطة علماً بانه هو الحصن الحصين لها بعد الله عز وجل، لكن العلة تكمن في هؤلاء المستشارين ومديري المكاتب الذين صاروا عائقا لها لدرجة لا تريد ان تسمع وجهة النظر الاخرى، فالسلطة اشترت صحفا وقنوات فضائية وبعض اعضاء المجلس وكتّابا.. والخ، اعتقاداً منها بانها ضبطت الأمور وان الساحة مهيأة لأي عمل لنسف الدستور، فانني أنصحها بهذه المناسبة: اتقوا الله في الكويت وفي أنفسكم وفي شعبكم، ان انهيار الدولة سببه الحكومات المتعاقبة، وبالأخص الحكومات السبع الأخيرة التي نسفت كل ما تبقى من النظام الإداري والمالي للدولة، حيث بلغت القضايا الادارية المرفوعة على الدولة من قبل المواطنين العام الماضي 150 ألف قضية، وهذه دلالة على عدم المساواة بالتعيين والترقيات، اضافة الى صراع البعض في الأسرة الذي انهكها وانهك الشعب ايضا، أتمنى ان تفتخر الحكومة بأرقى مستشفى تم بناؤه خلال السنوات الـ 10 الماضية أو جامعة أو طريق.. الخ. لا يوجد شيء، فالانجاز صفر والاقتصاد يدمر وهي تريد ان تدعم عصابة على حساب المال العام، اعتقادا منها بأن هؤلاء هم الاقتصاد، ومما لا شك فيه ان الطبقة الوسطى هي صمام الامان. يؤلمني أن من يستذكر هذه الايام (ذكرى ولادة الدستور) كانوا هم اول من داسوا في بطنه وما زالوا، والمانشيتات نقرأها بأن الدستور ليس مقدسا، نعم ليس مقدسا، وما الجريمة الكبرى التي تمت في يوم الثلاثاء الاسود بتاريخ 2011/11/15 من شطب الاستجواب وتنقيح الدستور الا تدل على ان الحكومة ليست مؤتمنة عليه ولا المجلس الحالي الذي تم شراء ما بين %44 من اعضائه، مؤتمنين على اجراء اي تعديل الى مزيد من الحريات، فالحكومة تضرب عرض الحائط بحضور الجلسات، ويخرج وزير منتخب يقول هذا حقها وما دمر الحياة النيابية الا بعض النواب الذين تم استوزارهم يفعلون العجب حماية لكراسيهم ويضرب الدستور. تذكروا اننا نستذكر المرحوم حمود الزيد الخالد بهذه المناسبة وهو وزير بالحكومة وعضو بلجنة اعداد الدستور، عرفناه لما قرأنا عن مواقفه الصلبة تجاه اقرار هذا الدستور، فهل يكون الخالد والحميضي والغانم نبراساً لكم كي تتخذوهم قدوة حسنة؟ لم يبق الان على الساحة الا كتلة المعارضة، فالامل بالله ثم بهم وبتكاتفهم واصرارهم على العمل بالاستمرار في التحرك السلمي الدستوري وهمة الشباب والشابات بتغيير الوضع السيئ، ومع الاسف هناك من يصور ان ما حدث يوم الاربعاء في ساحة الارادة تلويث للديموقراطية وان دخول مجلس الامة انتهاك، ولم نسمع كلمة حق للمنتهك الحقيقي للدستور الذي اصبح يحمّل تفسير المحكمة الدستورية اكثر مما يحتمل، حتى صادر حق الامة في استجواب رئيس الوزراء، فسمو الامير حفظه الله هو الذي ذاته مصونة وما دونه لا، ولا تدخلوا الكويت في نفق مظلم، فالدول لا تدار بالعناد. استذكر هذه الحادثة لمعاوية بن ابي سفيان للعبرة عندما يوصي ابنه يزيد عند وفاته فقال له «لو طلب اهل العراق كل يوم والياً فاعطهم طلبهم خير لك من ان تراق دماء المسلمين» فهل هذا عجز؟! لا، وانما حكمة بأن تلبي رغبة شعبك.
«اللهم احفظ الكويت وشعبها ودستورها من تآمر المتآمرين».
أضف تعليق