رفضوا تجرع كأس المذلة، فاحتدمت النيران في صدورهم، فخرجت من جوفهم كالبركان، خرجوا من أجل حياة كريمة لا استخفاف بعقولهم ولا قيد لحرياتهم، فكان مصيرهم القتل والتعذيب والاغتصاب، يُصُب عليهم الحميم، وتنهال عليهم السياط، على وقع أصوات العذاب والصراخ يقضون ليلهم، وعلى بصق رجال الأسد ووضع الأحذية، يكون طعامهم.. “تلك الليالي السوداء” التي يرويها بعض ممن اعتقلتهم قوات الأمن السورية، كاشفين عن مشاكل نفسية وعاهات جسدية مستديمة، عانوا منها إثر التعذيب الذي يمارسه عناصر الأمن، ما أدى إلى مقتل رفقاء لهم داخل الأفرع الأمنية.
تعذيب وإجبار على اعترافات وهمية
تهم “خيالية” وجهها لهم المحققون، فيما أكد بعضهم إجباره على تسجيل اعترافات تلفزيونية عن ارتباطه بجماعات مسلحة وقوى أجنبية لقلب نظام الحكم في سوريا.
وروى جميع الذين تحدثوا لـ”العربية.نت” عن تعرضهم لتعذيب جسدي متفاوت القدر داخل أقبية أفرع الأمن السورية التابعة لأجهزة المخابرات المخولة باعتقال المحتجين الذين شاركوا بنشاطات مطالبة بإسقاط النظام السوري خلال الثورة واصفاً بعضهم ما جرى داخل أفرع الأمن بأنه “ليالٍ سوداء”.
واتهم المعتقلون السلطات السورية بممارسة أساليب من التعذيب، تؤدي إلى عاهات دائمة قد تصل إلى حد الشلل، مشيرين إلى فرع المخابرات الجوية في دمشق، الذي يعتبر أشهر الفروع الأمنية بممارسة تعذيب وصل في بعض الأحيان، إلى مقتل العديد من المعتقلين حسب روايات شهود العيان.
32 شخصًا في زنزانة منفردة
وقال طالب جامعي من مدينة دير الزور اعتُقل على خلفية مشاركته في تنظيم مظاهرات بالعاصمة دمشق، إنه أصيب بمشاكل جسدية في العمود الفقري خلال التعذيب الذي تعرض له بفرع المخابرات الجوية، أدت إلى صعوبة في المشي ما استدعى خضوعه لعلاج فيزيائي، مؤكداً مقتل خمسة من المعتقلين في زنزانته جراء عدم قدرتهم على التنفس، حيث وضع 32 شخص في زنزانة منفردة حسب زعمه.
حرمان من تلقي العلاج وحالات شلل
وقال شاب من مدينة حرستا بريف دمشق، إنه كان وزملائه يتناوبون على المنامة، جراء حجز أكثر من 35 معتقل في غرفة منفردة صغيرة الحجم. فيما يحرم المصابون من تلقي العلاج داخل المعتقلات.
كما تحدث شاب آخر من نازحي الجولان المقيمين في ريف دمشق، عن تلقيه علاج فيزيائي بعد إصابة في الكتف أدت إلى توقف يده اليسرى عن الحركة، متهماً محققين في فرع الأمن العسكري بريف دمشق بالتسبب في إصابة كتفه أثناء التحقيق.
يتلذذون بأصوات الصراخ
وأوضح معتقلون سابقون، أن كثير من المحققين يمارسون التعذيب، رغم علمهم أن المتهمين لا يملكون معلومات إضافية، معتبرين أنهم “يتلذذون” بسماع أصوات الصراخ والرجاء طوال اليوم.
شدوني من شعري وضربوني بأرجلهم
وقالت مروة الغميان وهي أول معتقلة سورية خلال الثورة، إن عناصر الأمن ضربوها بوحشية، حيث ضربوا لي راسي بالطاولة وشدوني من شعري. وصاروا يضربونا برجليهون والضرب على أبو جنب ووجهنا للحيط وضرب بالحيط، المحقق صار يضربنا برجليه وسط شتائم نابية يطلقها الضباط وعناصر الأمن خلال اعتقالها الأول في حيث اعتقلت في 15 مارس الماضي بفرع الأمن السياسي.
صندوق شديد البرودة
وآثرت الغميان تشبيه الزنزانة التي تواجدت بها خلال اعتقالها للمرة الثانية بفرع الأمن العسكري بـ”الصندوق” الذي كان شديد البرودة.
وأضافت مروة، أنها كانت “تحاكي النمل” في الزنزانة التي بقيت فيها وحيدة لأسبوع كامل لشدة الملل وعدم تمكنها من التواصل مع العالم الخارجي.
نوبات عصبية
كما أفاد معتقل آخر من مدينة داريا، بأنه يعاني من نوبات عصبية خلال ساعات النوم، بعد تعرضه للتعذيب الشديد في فرع المخابرات الجوية.
وقال الناشط الذي اتهمته السلطات بتلقي أموال من مسؤولين في دول عربية لتوزيعها على المتظاهرين، إن سماعه المتواصل لعمليات التعذيب خلال اعتقاله، تركت فيه أثراً نفسيا سيئاً يلاحقه في أحلامه.
وقال مجند اعتقلته السلطات قبل انشقاقه لرفضه أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين في مدينة التل بريف دمشق في تصريحات سابقة لـ”العربية.نت”، إنه تعرض لتعذيب نفسي شديد في المعتقل، بغرفة لا تتجاوز ثلاثة أمتار، جمعته وما يقارب من ثلاثين شخصاً. مؤكداً أنهم كانوا يقضون أيامهم، على وقع أصوات التعذيب خلال كل فترة وجودهم.
وضع الأحذية في الطعام
وقال المجند “إن السجانين كانوا يتعمدون وضع أحذيتهم في الطعام، والبصق فيه قبل تقديمه”، ويطرقون أبواب الزنزانات في محاولة مستمرة لإزعاج السجناء خلال الأربع والعشرين ساعة لمنعهم من الراحة. وأنه وُضع في قفص حديدي معلقاً لعدة أيام، مع إيحائه بشكل مستمر أنه سيتعرض لتعذيب جسدي شديد أو التصفية خلال ساعات.
قتلى تحت التعذيب
ساعات التحقيق قد تمتد إلى أن يقتل المتهم
رغم ذلك، قد تستمر ساعات التحقيق للمعتقلين وتمتد لساعات طويلة، قد تؤدي إلى مقتل المتهم، كما نوهت بذلك الهيئة العامة للثورة السورية، التي وثقت المئات من حالات التعذيب حتى الموت خلال الأشهر الماضية حسب تقرير صادر عنها.
وأشارت الهيئة العامة للثورة، إلى مقتل 204 أشخاص بينهم امرأة وثمانية أطفال في مراكز الأمن السورية منذ اندلاع الثورة وحتى الخامس من الشهر الجاري.
الصعق الكهربائي
ونوهت الهيئة العامة، إلى استعمال قوات الأمن أساليب تعذيب وحشية بينها الصعق الكهربائي وتكسير العظام وسرقة أعضاء وتهشيم أسنان أثناء التعذيب. فيما بينت صورة نشرت في حمص لشاب قضى جراء التعذيب، قال النشطاء إن قوات الأمن اقتلعت عينيه خلال التعذيب بسبب تصويره المظاهرات وعمليات الاقتحام في المدينة.
وبحسب تقرير الهيئة العامة، فإن 112 شخص من الذين قضوا تحت التعذيب، هم من مدينة حمص، في حين قتل 22 شخصا في دمشق وريفها، في حين قضى 19 آخرين في إدلب، و12 في حماة، وخمسة في دير الزور وثلاثة في كل من حلب واللاذقية، وشخص واحد قضى تحت التعذيب في مدينة جبلة.
وأضاف التقرير، إن الهيئة العامة تؤكد وجود أعداد “هائله” من المعتقلين الذين يعذبون يوميا لساعات طويلة تصل في بعض الأحيان إلى أربع عشرة ساعة باستخدام مختلف الأدوات والوسائل.


أضف تعليق