أقلامهم

أحمد الديين : تنظيمات سياسية على أرض الواقع لابد من إشهار الأحزاب


إشهار الأحزاب استحقاق ديمقراطي


 أحمد الديين
يُعدُّ غياب الأحزاب السياسية واحدا من أبرز النواقص البنيوية التي يشكو منها نظامنا السياسي الديمقراطي غير المكتمل، وبالتأكيد فإنّ سدّ هذا النقص يمثّل استحقاقا ديمقراطيا ضروريا، ذلك ليس فقط لأنّ الديمقراطية لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود حياة حزبية، وإنما لأنّ وجود الأحزاب السياسية هو المدخل الرئيسي لترشيد الممارسات السياسية والنيابية التي غلب عليها في السنوات الأخيرة الطابع الفردي وسادتها الفوضى.
وعندما نعود إلى المشروع الأول للدستور قبل أن يقرّه المجلس التأسيسي في العام 1962 نجد أنّ النصّ الأصلي للمادة 43 منه كان يقرّ للكويتيين حرية تأسيس الهيئات والجمعيات والنقابات، ولكن ممثل الأسرة الحاكمة في لجنة إعداد الدستور وزير الداخلية حينذاك المغفور له الشيخ سعد العبداللّه لجأ إلى المناورة لإلغاء هذا النصّ وقدّم مذكرة اعترض فيها على عدد من مواد الدستور الأخرى التي سبق إقرارها، وقاطع جلسات اللجنة؛ ما دفع بقية أعضائها إلى الموافقة على تسوية تقضي بسحب اعتراضات الشيخ سعد على تلك المواد المقرّة مقابل إلغاء كلمة “الهيئات” التي تعني الأحزاب السياسية من النصّ المقترح للمادة 43، والاتفاق على أن يُترك أمر تنظيم الهيئات أو الأحزاب السياسية إلى المشرع العادي متى رأى محلاً لذلك… فيما لم يتم إلغاء ما كان واردا في المذكرة التفسيرية للدستور عند شرحها للمادة 56 المتصلة بتشكيل الوزارة عندما شملت رؤساء الجماعات السياسية بمَنْ يفترض أن يستشيرهم رئيس الدولة قبل تعيين رئيس مجلس الوزراء، ما يعني أنّ واضعي الدستور كانوا يدركون أهمية وجود الأحزاب والحياة الحزبية كأحد مقومات النظام الديمقراطي.
والمؤسف أنّه قد تمّ السكوت لسنوات طويلة عن طرح مطلب إشهار الأحزاب السياسية، وذلك إما بسبب سلبية القوى السياسية وتقاعسها، أو جراء الانشغال في مواجهة تحديات أخطر تمثلت في المحاولات المتكررة للاعتداء على النظام الدستوري والنكوص عنه، أو جراء انتشار تصوّرات وتقديرات افترضت عدم تقبّل الرأي العام الشعبي استحداث النظام الحزبي في البلاد، ومع ذلك لا يمكن تجاهل ما سبق أن قدّمه البعض من اقتراحات بقوانين في شأن إشهار الأحزاب السياسية خلال الفترة بين العامين 2004 و 2007، على الرغم من أنّ تلك الاقتراحات لم تكن ضمن قائمة أولوية اهتمامات مقدميها؛ بل لعلّ بعضها كان أقرب ما يكون إلى رفع العتب!
 
والآن في ظل ما يجري طرحه من دعوات للإصلاح السياسي، فإنّ إحدى أهم خطوات تحقيق مثل هذا الإصلاح المأمول تتمثّل في تأسيس حياة حزبية سليمة، وهذا ما يتطلّب التوافق بين القوى السياسية والمهتمين بالشأن العام على صياغة اقتراح بقانون ديمقراطي لإشهار الأحزاب السياسية، التي يجب أن تتشكّل على أسس وطنية وديمقراطية وسياسية سليمة، وألا تكون مجرد تكوينات طائفية أو قبلية أو فئوية تحمل ظاهريا لافتة الأحزاب!
وعلى أي حال، فإنّ مثل هذه الخطوة مستحقة لأكثر من سبب، فهي مستحقة لأنّ هناك تنظيمات سياسية قائمة على أرض الواقع وتمارس نشاطها، ولكنها ليست مشهرة وغير خاضعة لأي تنظيم قانوني، وهذا ما يفترض استكماله… وهي مستحقة لأنّ هناك ضرورة موضوعية ملحّة تستدعي ترشيد الممارسة السياسية وتطوير العملية الانتخابية والارتقاء بالعمل البرلماني، وليس هناك من سبيل واقعي لمثل هذا الترشيد والتطوير والارتقاء سوى الطريق الحزبي… وهي مستحقة لأنّه لا يمكن تصوّر أن يكون هناك نظام ديمقراطي، أو يدعي أنّه ديمقراطي في أي بلد في العالم، يرفض وجود الأحزاب أو يتجاهلها!
والسؤال، ترى هل سيحقق مجلس 2012 ما كان يفترض أن يتحقق قبل خمسين عاما في المجلس التأسيسي في العام 1962؟ أم أنّ البعض اكتفى من الإصلاح السياسي بتحقق شعار “ارحل” وكفى نفسه شر المواصلة؟!