أقلامهم

أحمد الديين : التنافس على منصب رئيس مجلس الأمة محسوم في الغالب ما لم تحدث مفاجآت بقدرة سلطوية

الانتخابات: مقدمات ونتائج وتوقعات!

أحمد الديين 
 قد يكون هناك مَنْ فوجئ بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، إلا أنّها في حقيقة الأمر كانت نتائج طبيعية ويفترض أن تكون متوقعة وفقا لمقدمات ولمعطيات ولأسباب ولظروف قائمة بالفعل على أرض الواقع الاجتماعي والسياسي الكويتي.
فالمعارضة، بغض النظر عن دقّة التسمية وانطباقها على البعض، كان متوقعا أن تحصد مقاعد الأكثرية في المجلس الجديد بعد الحراك الشعبي الواسع الذي أسقط الحكومة السابقة ورئيسها وأدّى إلى حلّ المجلس السابق وإجراء انتخابات نيابية مبكرة… وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن يفقد غالبية أعضاء المجلس السابق من المتهمين في فضيحة الإيداعات المليونية مقاعدهم… 
ولم يكن غريبا أن تفقد النائبات الأربع مقاعدهن على ضوء المواقف البائسة لمعظمهن تجاه عدد من القضايا الرئيسية واصطفافهن مع الحكومة السابقة ورئيسها… وكان متوقعا أن يفقد معظم النواب السابقين من أعضاء “كتلة العمل الوطني” مقاعدهم النيابية على ضوء المواقف المتذبذبة والملتبسة لبعضهم، وإن كان مؤسفا أن يفقد مقعده في هذه الانتخابات نائب سابق متميّز في مواقفه وقربه من نبض الشارع مثل صالح الملا… وكذلك لعلّه من الطبيعي في ظل ازدياد الميل نحو التعصب العنصري وما ترتب عليه من اصطفافات مناطقية وفئوية وقبلية وطائفية أن تأتي النتائج على النحو الذي جاءت عليه… ولا أحسب أنّ هناك أي مفاجأة في ازدياد ثقل مرشحي الأحزاب السياسية الإسلامية من سلف وإخوان في ظل واقعنا الاجتماعي والثقافي السائد، وإذا ما أخذنا بالحسبان الإمكانيات المتاحة لهذه الأحزاب، ناهيك عن الانسجام مع ما يشهده المحيط العربي من ميل ملحوظ نحو التصويت لصالح الأحزاب الإسلامية في تونس ومصر بعد الربيع العربي الذي تحوّل في نتائجه الانتخابية إلى “ربيع إسلامي”… وربما كانت المفاجأة أن تأتي نتائج الانتخابات على خلاف ذلك كله وخارج مثل هذا السياق وبتحييد كامل للمعطيات الواقعية!
ولكن العنصر الأهم إنّ الانتخابات في الكويت لا تزال بعيدة عن أن تكون عملية سياسية حقيقية، وإن كانت تتخذ بعض مظاهرها وأشكالها، ذلك أنّ الطابع الفردي لا يزال هو الغالب على العملية الانتخابية، بدءا من قرار الترشيح؛ مرورا بالحملة الانتخابية، وانتهاء بالتصويت الفردي لهذا المرشح أو ذاك… وبالتأكيد فإنّ الطابع الفردي للانتخابات هو انعكاس للنظام الدستوري القاصر؛ وللنظام الانتخابي القائم؛ ولغياب الحياة الحزبية، ما يفقد العملية الانتخابية طابعها السياسي المفترض.
وإذا أردنا تقييم نتائج الانتخابات الأخيرة، فيمكن القول إنّها انطوت على ايجابيات محددة وسلبيات عدة… أما في شأن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد فلن تطوي هذه الانتخابات ومخرجاتها صفحة تلك الأزمة السياسية، مثلما يوهم البعض نفسه، ما دامت الأسباب العميقة للأزمة لما تعالج بعد، إذ إنّها أزمة كامنة وقابلة للانفجار في أي وقت، على هذا النحو أو ذاك، ولهذا السبب أو سواه… 
وأيضا فإنّ التنافس على منصب رئيس مجلس الأمة محسوم في الغالب ما لم تحدث مفاجآت بقدرة سلطوية، مع التأكيد على أنّ الأزمة السياسية لم تكن “أزمة رئاسة المجلس” مثلما كان البعض يطرح ذلك… وغير هذا لا أحسب أنّ الحكومة الجديدة ستختلف كثيرا عن سابقاتها من الحكومات من حيث نوعية التشكيل وطبيعة السياسات وأسلوب العمل واتخاذ القرار مادام النهج السلطوي ذاته، الذي أوجد تلك الحكومات مستمرا على ما هو عليه لما يتغيّر بعد… وأخيرا، ربما تطول “فترة السماح” أو تقصر، ولكن من المستبعد في ظل موازين القوى الحالية أن تحقق الحكومة المقبلة أيًّا كان شخص رئيسها وأسماء وزرائها أو المجلس الجديد بغالبيته “المعارضة” تغييرا جدّيّا في نهج إدارة الدولة، ذلك أنّ للتغيير شروطه ومتطلباته التي لما تُستكمَل بعد..!