أقلامهم

عبدالله بشارة : نجحت أسماءاقترنت بالفكاهة والكوميديا وكانت شعاراتها مدمرة في معانيها وخفيفة في مصطلحاتها

الناعم في حياتها..والغليظ في برلمانها

عبدالله بشارة 
لم أتصور ان تنجح أسماء اقترنت بالفكاهة والكوميديا وكانت شعاراتها مدمرة في معانيها وخفيفة في مصطلحاتها، ولم أكن أتصور أيضا ان يكون النجاح من نصيب المتطرفين المتحمسين الذين أتوا مجددا إلى الساحة السياسية وأشعلوها بالشعارات التي تدين وتطارد وتتهم، ولم أكن على دراية بحجم التمترس القبلي الذي يوفر للمنتمين طمأنينة الحضن القبلي، ولم تأت في بالي الحدة التي افتعلتها المجموعة الإسلامية ضد المرأة ولم أتعرف من قبل على قدرة «السادة» رجال الدين الشيعة في التأثير في تصويت الناخب الشيعي.
ذهبت إلى الانتخابات في السرة، كالعادة، مراقبا وناخبا، وشعرت بأن هذه المرحلة بعيدة عن مراحل الماضي ففيها الكثير من التحدي والتعصب والعزم على الفوز بخلط الأوراق وتأسيس التحالفات والجرأة في الانفصالات وان كانت في اللحظات الأخيرة القاتلة.
ونحن في الاصطفاف في طابور الانتظار لم يكن حديثنا عن المرشحين أوعن فرصهم وأفضليتهم، تبادلنا الكلمات في السلامات فقط وبعدها أطبق الصمت على ذلك الطابور الطويل فالكل حازم أمره لا مجال للاغراء في تغيير اختياراته.
وشعرت من جلسة الانتظار الباردة والوجوم الذي يتسيد الوجوه بأنني في زمن مختلف.
نعرف النتيجة الآن، وحزنت على غياب مرشحين يحملون في قناعاتهم صوت الكويت بالمستقبل المستنير، بلا تطرف، وبلا خناقات وبلا بذاءات، وهم نخبة صافية تشربت بتراث الكويت الهادئ بعيدا عن حسابات الطوائف والقبائل، منفتحة على جميع الآراء ومستوعبة لحقوق كل طرف بلا بهتان وبلا مصادرة.
جاءت الأغلبية تحمل التصلب في الاصرار على اخضاع السياسة لتفسيراتها الدينية، ومعها أيضا التخندق حول المفاهيم القبلية، وتشكل هذه المجموعة القيادة القادمة لسير المجلس النيابي وربما مؤيدة من بعض العناصر الشيعية وفق مبدأ تعايش المصالح.
في مثل هذه الأجواء التي لا تحقق الارتياح ولا تضمن التهدئة، ولا تقدم الابتهاج بالمستقبل البناء، لابد من الاستنهاض الجماعي من جميع أطياف مجتمع الكويت من أجل الحفاظ على أمن الكويت واستقرارها، وصيانة مصالحها ووقاية أمنها الوطني وسلامتها الاجتماعية، وأبدأ ببعض الملاحظت التي يجب ألا تغيب عن المشهد السياسي القادم:
أولا – الالتزام بالقيم الأخلاقية السامية التي تدعو لها كل الديانات وأحاطها دين الإسلام برعايته في الدعوة إلى نبذ العنف اللفظي وتقدير اجتهادات الآخرين واحترام الرأي الآخر، والثناء على الحوارات والدعوة إلى المحبة وصدق القول وصون الأمانة وأهم من ذلك التفاعل مع القسم الذي يردده النواب في الالتزام بمصالح الوطن، مع صفاء الذمة والوفاء لشرف الكلمة والاعتزاز بمفاهيم المواطنة التي تتجسد مع تطبيق القانون على الجميع، والابتعاد عن المخالفات النيابية وتثمين مقام العضوية مع وقف الانتهاكات لقواعد العمل والكف عن التلصص على الحكومة وسلب أوراقها ووثائقها.
لا مجال الآن لنواب يتصيدون في المكاتب والوزارات لتحقيق منافع للموالين من قبائلية وغيرهم الذين يبحثون عن حماية النواب وتدخلاتهم للترقي والتكسب.
ثانيا – دور القيادة البرلمانية ممثلة في الرئيس ومكتبه من نواب وآخرين الذين يشكلون المكتب المشرف على أعمال المجلس، ودور هذا المكتب ليس بروقراطيا مكتبيا وانما مراقبة السلوكيات البرلمانية في احترام المكانة الأخلاقية الرمزية للعضوية وأهمية نظافة العضوية من التلوث المالي والتوسخ المصلحي الانتهازي، مع أهمية الحفاظ على وقار الكلمة والارتقاء بالمصطلحات البرلمانية والتعفف عن التربص في المداولات.
ودور القيادة البرلمانية هي المجاهرة العلنية في توجيه النظر للنواب الذين يخرجون عن لائحة السلوكيات النيابية، وأخطار التساهل في مسؤوليات مكتب الرئاسة تأتي مع التردد والخوف من المجاهرة والرغبة في التغطيات على الزملاء.
جاءت عقدة القبيضة من غياب الشفافية البرلمانية المرتبطة بسلوك الأعضاء، ومع تلاشي عذاب الضمير وغياب الرقابة وانعدام المحاسبة، ذابت الذمة واندثرت الأخلاق وانتفخت الحسابات.
ثالثاً – نشيد بعزم سمو رئيس الوزراء بتطبيق القانون خاصة ما جاء في لقائه مع صحيفة الحياة اللندنية، ونشير إلى حديثه عن اختيار الكفاءة صاحبة الملف النظيف في الذمة والسلوك، دون الوقوع في أسر المحاصصة ومع ملاحظة تشكيلة النواب، لابد ان يعي سمو رئيس الوزراء أن دوره محوري في القيادة داخل المجلس، عليه ان يتحدث بكل وضوح، ويرد بكل ثقة، ويفند مستندا إلى دعم من شعب الكويت الذي لن يقبل بالثرثرة والتهديدات وكلام الصغار الذين لم يستوعبوا حقائق الكويت ومتانة القيم التي عاشت معها.
وشعب الكويت ديموقراطي منذ القدم، وأكثر ولاءً لبلده مما نتصور وغيور جدا على أراضيه وعلى انجازاته.
رابعاً – أفضل ما في الكويت حرية الإعلام، ففيها حرية الضمير، وفيها مسؤولية التعبير وفيها تنوع الاجتهاد وفيها ولاء التربة، وأقصد الإعلام الحديث التكنولوجي الممكن. والإعلام المطبوع التقليدي، دوره هنا كشف المستور في سلوكيات النواب والتصدي للاجتهادات البرلمانية المخربة والمستوردة، والتي يُشتم منها الأذى الاجتماعي، ومحاسبة النواب في سلوكهم ونقد الحكومة في تقصيرها، وتقييم برامجها بموضوعية وحياد، ودعمها في الجدية وتشجيعها في الانجاز ومعاقبتها في الاخفاق، مع اغلاق الفرص الإعلامية أمام نواب التأزيم ومحاصرتهم وفضح نواياهم.
خامسا – لا يمكن اغفال دور منظمات المجتمع المدني والهيئات الشعبية واتحادات الطلبة وتجمعات النفع العام في التصدي للعبث في هيكل الوحدة الوطنية الكويتية، ولا ننكر أنها تعرضت للتشويه لأن التطرف ظل مفتوحا بلا حسابات في الصحافة وفي الفضائيات دون اجتهاد لوقف دمار الجهل الذي يأتي من أصحاب الملفات الخاصة ومن أطفال السياسة ومن الذين أتى بهم الزمن إلى مواقع النفوذ.
تابعنا في الحملات الانتخابية وقاحة بعض المرشحين في الاتهامات وفي المبتذلات اللفظية، وبصراحة ما كنت أتمنى أن أرى رؤية أحد منهم في قاعة البرلمان، وما كنت سعيدا بقرار المحكمة اعادة شطب بعض المرشحين.
هناك مرشحون هم آليات هدم للأمن الاجتماعي الكويتي وللاستقرار السياسي وللتوافق الشعبي، وقد أتت النتائج بما لا يريح، والعزاء بالمراقبة الدائمة من هذه المنظمات التي يجب ألا تنام في الاسترخاء.
سادسا – وأخيرا، دور الناخب الذي أعطى صوته لهؤلاء النواب وصدق أقوالهم ووثق بتعهداتهم، ومن تجارب الماضي لم يتوافر الحساب بين الناخب والنائب، ولم تكن هناك آلية تتساءل وتتحقق وتطلب التفسير والمبرر.
تغيرت أوضاع اليوم مع الاصرار على ان النيابة ليست امتيازات وانما عطاءات ومحاسبات ومسؤوليات.
وقد رأينا سقوط مجموعة القبيضة الذين أرادوا العودة لكن الناخب الواعي مدرك لخطورة عضويتهم، ولن تغيب هذه الحقيقة عن ذهن النواب في المجلس الجديد.
تهمنا الكويت فهي فوق نوابها وفوق مجلسها وفوق كل من يتصور قدرته على العبث بتاريخها..
وآخر الاستعراض الاشادة بدور الداخلية وبكل أجهزتها لحيادها ونظافة انتخاباتها.
استضافت حكومة الكويت 150 إعلاميا من مختلف البقاع، تحدثت مع كثيرين منهم في صالونات الشيراتون، كلهم معجبون بما رأوه وبما سمعوه وبما أخذوه في رحلة العودة..