أقلامهم

حسن جوهر : البلد يستوعب الجميع رغماً عن أنف كل حاقد … الفتنة لا تلد أخرى إنما تحرق مروجيها!

فتنة لا تلد أخرى!

د. حسن عبدالله جوهر
تبقى المسؤولية الأهم على عاتق السلطتين في إقرار تشريعات حازمة بشأن المحافظة على الوحدة الوطنية ونبذ كل أشكال الكراهية كأولوية قصوى في الفصل التشريعي الجديد، والتي كانت الحكومة دائماً المعوق الرئيسي لها، لنضع حداً للعب على مشاعر الناس ومعتقداتهم وخصوصياتهم.

ليس من المستغرب أبداً أن البعض قد استمرأ إيقاظ الفتنة، بل السعي من أجل إذكائها والنفخ في نارها بشكل منظم ومتواصل، خصوصاً بعد أن انكشفت قواعد هذه اللعبة الخبيثة وباتت تداعياتها معروفة مسبقاً، وتجاهل نتائجها المدمرة أصبح لذة عند ضعاف ومرضى النفوس مع سبق الإصرار.
والتطاول الخطير وغير المسبوق على المقام المقدس للإمام المهدي المنتظر- عجل الله تعالى فرجه الشريف- وبهذا الأسلوب المقزز والحقير ومن قبل كاتب مغمور ومتهور وعديم الذكر في الوسط الإعلامي والاجتماعي وحتى الديني، يوجب الاستنكار والبراءة من قبل المسلمين قاطبة، وإن تعمد أحد الجهلة والمغرضين اللمز والاستهزاء الصريح لإثارة الشيعة تحديداً، ذلك أن المهدي المنتظر (ع) من المعتقدات الثابتة عند جميع المسلمين بغض النظر عن الاختلاف في تفاصيل هذا الموضوع، وليس هذا مقام البحث التاريخي والعقائدي لشرحه.
ولكن ما جرى يعكس الواقع المؤلم من الاحتقان الطائفي الذي بات يدور في دائرة مغلقة محصلتها الأولى والأخيرة سكب مزيد من الزيت على نار الفتنة وبث روح الكراهية بين الكويتيين، ولا يمكن لهذا المسلسل أن يتوقف لأن الشتم والتحرش الطائفي والتعرض للمعتقدات الدينية ورموزها أصبح مصدراً للتكسب السريع والشهرة المجانية وزيادة الرصيد في المنتديات الإلكترونية، والرد على ذلك بخطابات حماسية والتهديد والوعيد وأخذ الحقوق باليد صار بالمقابل بطولة أخرى وسط جمهورين بعاطفة جياشة.
والمصيبة الكبرى أن هذه المشاهد تتكرر أمام صمت حكومي يبدو أنه متعمد أيضاً ينتظر الصوت العالي للتحرك لتطبيق القانون، وكأن لسان حالها يقول: دع الناس تأكل بعضها في الشارع ولتشحن النفوس بالغضب والانفعال، وبدلاً من أن يخطئ فرد واحد أو يسيء أدبه ليكن عشرات الآلاف من المواطنين على هذا النهج وهذا السلوك، ثم نتحرك بالاتجاهات القانونية!
وعلى الرغم من أن الفتنة الأخيرة آتت ثمارها في تهييج المشاعر، وهذه المرة عند الشيعة والخروج إلى ساحة الإرادة للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم، فإن ثمة بصيص أمل قد لاح في الأفق، ومن صور ذلك تقدم عشرات المواطنين بشكاوى قانونية عبر القنوات المختصة.
وهذا تصرف حضاري ودستوري يستحق الإشادة والدعم، إضافة إلى بيانات الاستنكار لمجموعة من القوى السياسية والشخصيات الوطنية والدينية من إخواننا السنّة؛ في إشارة تستحق الشكر والتقدير أيضاً بأن من ينتصر للشيعة هم بقية بني جلدتهم من الكويتيين من المشارب والانتماءات المختلفة الفكرية والاجتماعية، وهذا انتصار أصيل للاستقرار الوطني والثوابت الدستورية، وإن كنّا نأمل مشاركة أوسع من التيارات الدينية على غرار الموقف الشجاع للشيخ عجيل النشمي.
وتبقى المسؤولية الأهم على عاتق السلطتين في إقرار تشريعات حازمة بشأن المحافظة على الوحدة الوطنية ونبذ كل أشكال الكراهية كأولوية قصوى في الفصل التشريعي الجديد، والتي كانت الحكومة دائماً المعوق الرئيسي لها، لنضع حداً للعب على مشاعر الناس ومعتقداتهم وخصوصياتهم، ولنثبت أن البلد يستوعب الجميع رغماً عن أنف كل حاقد، وأن الفتنة لا تلد أخرى إنما تحرق مروجيها!