أقلامهم

عبدالله النيباري : دولتنا أقرب إلى دولة كرتونية تتصدع بنفخة من نائب … استجواب الوسمي كشف هشاشة المؤسسات

الخوف من تصدع الائتلاف.. ومن سحب الثقة بالحكومة

استجواب الوسمي كشف هشاشة المؤسسات
عبدالله محمد النيباري :
من اللحظة التي أطلق فيها د. عبيد الوسمي تصريحه، بتقديم استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء، وحتى الإعلان عن قبوله، بعد مفاوضات أو ضغوط، بتأجيل تقديم هذا الاستجواب عندما خرج النائب مسلم البراك ليقول «ماكو استجواب»، وعلى مدى 18 ساعة، اهتزت أركان الدولة وانشغلت المؤسسات الاعلامية، بكل أصنافها، بما سُمي التصعيد العشوائي الذي فجره الدكتور الوسمي، وتوالت التصريحات بين مؤيد منتشٍ ومعارض ممتعض.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا أو ما سبب الانزعاج إزاء هذا الحدث؟
فتقديم استجواب من نائب، أيا كانت محاوره أو مضامينه، أو أيا كان توقيته ملائما أو غير ملائم، فهو أمر من حق النائب ضمنه الدستور، هو من يقدر محتواه وتوقيت إثارته، وللآخرين بعد ذلك، حكومة ونواباً ورأياً عاماً، الحكم عليه، سواء لجهة أخذه مأخذ الجد أو إهماله وعدم الاكتراث به.
ولنضرب مثالا بتجارب الآخرين، ففي بريطانيا برزت في السنين الماضية ظاهرة النائب جورج غالاوي، النائب العمالي اليساري وعضو مجلس العموم لثلاثة عشر عاما من 1987 – 2010.
مواقف مقاربة

جورج جالاوي كانت له مواقف مثيرة على مسرح السياسة البريطانية بمواقفه المعارضة للحرب على العراق، وعلاقته الودية مع صدام حسين وأبنائه، فيما كان معارضا لنظام صدام قبل ذلك، كما كان مناصراً للفلسطينيين ضد إسرائيل.
كانت علاقته مع نظام صدام محل نقد في الصحافة البريطانية وفي الأوساط السياسية، ولكن لم تهتز أركان الدولة البريطانية ولا أروقة مجلس العموم، ولم ينشغلوا ساعات طويلة في محاولة نزع فتيل أزمة ما، لأنه لم تكن هناك أزمة، واستمر غالاوي على مواقفه مع العراق ضد الحصار الاقتصادي ومع الفلسطينيين.
أقصى ما حدث له ملاسنة مع وزير الخارجية بن برادشو في مجلس العموم في مارس عام 2002 الذي وصفه بأنه بوق إعلامي لصدام، فرد عليه غالاوي واصفا إياه بالكذاب، وأن وصفه ببوق لصدام «تعبير مخز، ونتيجة لهذه المشادة، رفع الرئيس الجلسة وهو أمر نادر الحدوث، ثم عاد كل منهما للاعتذار مع الآخر بعد استئناف الجلسة»!
لماذا اهتز المجتمع . 
عذرا لهذه الإطالة لتبرير الإيضاح والمقارنة بين ما يحدث عند الآخرين وعندنا.
أما لماذا اهتز المجتمع الكويتي إثر إعلان د. الوسمي تقديم استجوابه؟ فاعتقد أن سببه أننا مازلنا مجتمعا هشاً بجميع مؤسساته حكومة ومجلس أمة معارضة أو غالبية وإعلاما بكل أدواته وكذلك القوى السياسية.
على مستوى الإعلام، تصدر الحدث مانشيتات رئيسية في الصفحة الأولى، وكذلك الافتتاحيات، ووصف بأنه تصعيد عشوائي. الدولة أو الحكومة لم تفصح عن ردود فعلها، ولكنها بالتأكيد كانت منزعجة، وربما خائفة لأن الاستجواب، بغض النظر عن موضوعيته ومشروعيته وتوقيته، قد يؤدي إلى سحب الثقة من الحكومة إذا ما استقطب العدد الكافي لذلك.
تصدع
على جبهة المعارضة، اختلفت ردود الفعل بين موقف نواب المطران الذي عبر عنه النائب مسلم البراك، رداً على قول الوسمي في الندوة بأنه سيخوض «الحرب» منفردا غير آبه لحل مجلس الأمة، قائلا «لست وحدك يا عبيد، جهز استجواب الكرامة»، فتوالت إعلانات الانضمام إلى معسكر الاستجواب بقول النائب الوعلان «خذني معك يا مسلم» وتبع ذلك انضمام نواب المطران محمد هايف، الذي عبر عن أن التصعيد قادم ثم تبعه النائب خالد شخير، إلا أن الخوف على تصدع ائتلاف تكتل الكتل دفع بعضهم إلى إبداء استيائه الذي عبَّر عنه النائب الصواغ للتصرف المتسرع، وقوله لن نسمح لأحد بجر كتلة الأغلبية من دون استشارتها، ووصف النائب الداهوم بأن توقيت الاستجواب غير مناسب، وعبّر النائب الحربش عن امتعاضه قائلا «أسعد الناس باستجوابك المفاجئ أطراف تطعن في القبائل وتثير الفتنة».
المهم في ردود الفعل على إعلان الوسمي تقديم الاستجواب هو إنها تعكس هشاشة مؤسساتنا، وعدم رسوخها على أسس قوية ثابتة فهي معرَّضة للتفكك في واجهة أي عاصفة أو هبة ريح.
فالحكومة خائفة، وإن لم تعبّر عن خوفها من تداعيات الموقف، والمعارضة تخشى من أمرين، إما التفكك، وهو نتيجة لطبيعة تركيبتها التي يغلب عليها الاصطفاف القبلي. فنواب «مطير» فزعوا للوسمي، وجرياً على نمط المواقف السابقة، فإن نواب القبائل الأخرى أمام خيارين، إما أن ينضموا للركب، واما سيكونون خصوما على قاعدة «إما معي أو عدوي»، وهذا أيضا سيضرب الكتل السياسية، وسيحرج أعضاءها المحسوبين على الحضر الذين تتحفظ قواعدهم على الاستجواب.
فزعة
وهكذا، فإن الفزعة القبلية أربكت تكتل الكتل، أي مجموعة الأغلبية، وخشيت الحكومة أن يؤدي ذلك إلى سحب الثقة منها، والاثنان (الحكومة والأغلبية البرلمانية) يخشيان أن يؤدي ذلك إلى استقالة الحكومة أو إقالتها وحل مجلس الأمة، في حال تعذر تجاوز الأمة.
القول ان من حق النائب الوسمي أن يقدّ.م ما شاء له من استجوابات، وأن يحدد مضامينها وتوقيتها، لا يعفيه أيضا من النقد، فبالتأكيد الحكمة والكياسة تقتضيان أن يراعي مشاعر الناس، وضرورة تعزيز ثقتهم بالنظام البرلماني الديموقراطي، وقبل هذا وذاك، وضع البلد.
وقوله انه لا يأبه لحل المجلس قد يُفسر بأنه غير آبه لا بالناس ولا ببلدهم، وهو قطعاً أمر بعيد عن الحكمة ومجافٍ للمسؤولية التي يجب أن تكون عنوان تصرف نائب يمثل الأمة ولا يقبل منه التصرف وفق هوى قد يجرفه إلى مواقف تهدم مؤسسات الدولة وقوانينها، خصوصاً أن دولتنا أقرب إلى دولة كرتونية تتصدع بنفخة من نائب.