أقلامهم

يعقوب الشراح : لا أحد ينكر تخلفنا في التنمية واستمرارنا في الخصومة والعراك

 هل الأولويات ضائعة؟

د. يعقوب أحمد الشراح 
تزداد هذه الأيام التصريحات أو البيانات الصادرة من بعض أعضاء المجلس النيابي عن قضايا تعكس في باطنها أننا مقبلون على أزمات، وأن غالبية المشاكل ما زالت تدور في حلقات النزاعات والخلافات وليس في إطار الرغبة الحقيقية لمراجعتها ومعالجتها. 
لا أحد ينكر تخلفنا في التنمية واستمرارنا في الخصومة والعراك وكأن إبليس مازال يوسوس في النفوس ويدفع البعض تجاه التصعيد والوعيد والتشتت. نعم لا ينكر أحد كثرة القضايا العالقة والملفات المركونة والتي تتناول موضوعات متفرقة على المستويين الداخلي الخارجي، لكنها قضايا يجب ألا تسخر من أجل التسييس ودغدغة المشاعر حيث يلجأ النائب عن قصد لتوتير العلاقة مع الحكومة والسعي للانتقام والمخاصمة. هناك ملفات لقضايا متعددة تشكل بعضها أزمات بين الكتل النيابية ذاتها وليس فقط الحكومة لكنها قضايا تتباين في أولوياتها، فبعضها مازالت الكتل النيابية تتصارع عليها اعتماداً على حسابات حزبية وسياسية. ويلاحظ ذلك في الفرق مثلاً بين البحث في قضية تعديل المادة الثانية من الدستور وبين مواطنين يعانون شدة تخلف الرعاية السكنية والصحية أو الحاجة الشديدة لإصلاح المؤسسة التربوية.
ان التوجه الحالي نحو طرح كم كبير من القضايا دفعة واحدة بلاشك سيؤثر في القدرة على التنفيذ، فإما أن تؤخذ القضايا على أساس الأولويات وفي حدود زمن مخطط للتنفيذ وإما أن تؤخذ كما هو حاصل الآن بأعدادها الهائلة، لكن النهاية لن يتحقق شيء على ارض الواقع. الأخ الفاضل النائب الحربش ممثلاً عن كتلته الأغلبية النيابية يتحدث عن حوالي 27 قضية يريد حلها، ناهيك عن قضايا أخرى لدى الآخرين من الأعضاء، فهل يعقل انجاز كل ذلك في دورة برلمانية واحدة، بينما لم تنجر الحكومة حتى 10 في المئة من مكونات خطة التنمية أو المشاريع الحيوية التي طالب الناس بها منذ أمد بعيد. 
نتمنى ألا يكون طرح الملفات الكثيرة من اجل دغدغة مشاعر الناس أو لأجل الاندفاع نحو تجسيد روح التحدي والانتقام، وربما خلق الأزمات في المقبل من الأيام، فنحن أحوج ما نكون في هذه الفترة إلى هدوء الأنفس والمراجعة السليمة لأحوال لم نتمكن من معالجتها في وقت يريد الناس الإسراع في الانجاز والعمل الجاد، وليس كثرة الكلام والردح الذي تعودنا عليه في كل مناسبة أو حتى من غير مناسبة!!
لذلك نرى أن الاهتمام بالأولويات في المرحلة المقبلة ينبغي أن تحدد من حيث الأهمية والأسبقية، وان يكون التركيز على «الوحدة الوطنية» ونبذ العنصرية والطائفية، وخلق أجواء التعاون والتآلف، وتقدير الرأي الآخر، وإشاعة التسامح من دون صدامات ومسيرات ومواجهات وتعطيل متعمد لمصالح الدولة. فحاجتنا ماسة إلى مراجعة معوقات التنمية والتركيز على تطوير الخدمات المعيشية للناس في الصحة والتعليم والإدارة والبنية التحتية، والحفاظ على موارد الدولة، وإيجاد فرص العمل والسكن للشباب، والعناية بهم لأنهم عماد المستقبل. فمن دون ذلك لن يكون المجلس النيابي حقق أي هدف أمام إصرار الناس على ترك كل ما يعوق مسيرة التطوير ولا يصب في المصالح العليا للبلاد.