كتاب سبر

سعدون … واللي مضيع وطن

في الصغر ، كنا نستمع لسعدون جابر وهو يغني موّالاً “اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه ؟!” ، كنا صغاراً نستمع لما يقول ونتأثر بكلماته الحزينة دون وعي كامل وفهم جيد لما يعنيه فقدان وطن ، وذلك لسببين ، أولهما : صغر سنّنا وانحصار مفهوم الوطن لدينا في بيت ومدرسة وتحية علم ونشيد وطني وبابا جابر ، وثانيهما : ضيق الهوة بين بدون ذلك الوقت وبين سلبهم حقالمواطنة ، فقد كانت الفروق بسيطة لا يعيها إلا بعض من اكتوى بنارها في ذلك الوقت .
 تضيع منّا الأوطان في كومة قش الحرمان ، نحاول جاهدين البحث عنها فتشغلنا عنها أسهم الأعداء سهم تلو سهم ، فنصبح كحال القائل : لو كان سهماً واحداً لاتقيتهُ ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ وتنكشف على إثر ذلك العورات بسبب غلاء النسيج الاجتماعي الذي غطى عورات الوافدات من زوجات الكويتيين وقصر عن تغطية عورات أبناء الوطن ، ويطفو الحسد على سطح النفوس ، ويغلف بغلاف الأمانة والخوف على اللُّحمة الوطنية بضم اللام والصحيح أنهم قصدوا فتحها ،  لكنهم خافوا أن ينكشف الأمر ، يجعلون من الوطن بقالة يساومونك على ما فيها مقابل أن تتنازل عن حقك فيالانتساب إليه ، يحاولون إغراءك بعرض من الدنيا قليل ، ليثبتوا للجميع أنك إنما تجري خلف مال لا خلف آمال ، وأنك تقنع بالفتات وتنسى ما من أجله ترخص الأعمار وتطلب الوفاة .
خمسة أجيال تعاقبت ، ولا زلنا نحفظ قول سعدون جابر “اللي مضيع وطن وينالوطن يلقاه” ، ولا شئ تغير ! ، فلا زلنا نبحث ، ولا وطن بالقرب ! ، الشئ الوحيد الذي تغير منذ ذلك الوقت ، أننا كنا نستمع لسعدون ونحن نعرف أن سماع الأغاني حرام ، أما الآن فقد أصبح الاستماع لسعدون بالإضافة إلى كونه حراماً ، قيداً أمنياً ، ومؤشر جنسية في عرف الجهاز المركزي ، أي ظلمات بعضها فوق بعض ، ولا زلنا نبحث في كومة قش الحرمان بلچي ريحة وطن !.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.