آراؤهم

عقولنا.. والفول المعلّب!

كلنا يعرف قصة فرعون ذلك الذي ادعى بأنه إله وبالرغم من هذا تجمعنا سوياً طريقته  في التفكير أو ما يبدو بأنه تفكير!


فلو تأملت خطابه مع النبي موسى ستجده قد حافظ على منطقيته حتى وصل إلى” إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ” فهكذا أنهى فرعون جميع التساؤلات التي دارت في باله وسد باب التفسيرات وأطفأ نور الحجج عندما ألصق مارآه بالسحر وكأنه يقول لعقله “وجدتها.. إنه السحر” وبدأ بعد ذلك العناد!


و كطبيعة فينا نحن البشر تجدنا نفسر مانجهل بأقرب مانعرف ونعلم، حتى نسكت ذلك الصوت الذي يقول كيف ولماذا؟! فمن لا يجيد إلا العربية سيعتقد بأن كل لغة غريبة لا يفهمها هي “الإنجليزية”! فمن المعروف أن دغدغة العقل ودفعه للتفكير تكون بإثارة الأسئلة وتحليل الأمور ثم ربط الأشياء ببعضها بعضا! ولكن ماذا يحدث لو اضطهدنا هذا العقل وحرمناه وضربناه بسوط الهوى والمزاج؟!


بعيدا عن الكسل الجسدي الذي نعاني منه وارتفاع معدلات السمنة و أمراض القلب هناك كسل عقلي طورناه بأنفسنا لنضحك به على أنفسنا أيضاً! فترانا ننسى عقولنا ونقلل من شأننا عند كل أمر يستفز تفكيرنا ونسارع بقول هذه مؤامرة.. هذا ضلال.. هذا ما انتجته لنا البيروارجوازينية! ولا نعرف ماهي البيروارجوازينية -وأنا لا أعرفها أيضا- حتى الصور الجميلة لا نسمح لأنفسنا بالتلذذ بجمالها فنقوم بإصدار الحكم فورًا ونقول”أكيد فوتوشوب”!


لسنا بحاجة للتفكير فالحلول موجودة في علبها دوماً إلى جانب علب الفول على رف المطبخ! فنرى تقنية في سيارة فنقول” الألمان ما خلو شي” ولا نعطي لأنفسنا فرصة للتساؤل أو لإبداء التعجب إذ أن التفكير ممنوع بأمر من المحكمة التي قضت بأن للإبداع براءة اختراع يملكها كل البشر إلا نحن!


أصبحنا بهذا التفكير نصنع من الأشياء والأشخاص ملائكة وشياطين! فكما نهرب من البعض لأنهم شياطين المؤامرة نبتعد عن البعض الآخر لأنهم ملائكة لا يمكننا اللحاق بهم.


لي صديق يحرص منذ أن عرفته على حضور كل المحاضرات الدعوية والدروس الدينية سواء كانت داخل البلاد أو خارجها فقلت له ذات مرة: كم مرة تخيلت نفسك مكان الشيخ فلان أو أنك تشرح بأسلوب الداعية فلان؟ فصعقني قائلا: لم أفكر في هذا مطلقاً..فمن أنا أصلاً لأضع نفسي مع هؤلاء؟ عندها راودني شك بأن صديقي قد يكون مخلوقاً فضائياً أو يكونون هم كذلك وبسبب هذا قرر أن لا مقارنة بينه وبينهم! وهكذا صنع صديقي من البشر ملائكة.


إن التفكير بهذه الطريقة سيولد بيننا وبين واقعنا حواجز لن نستطيع لها نقبا، وسنواسي أنفسنا بأن نقسم مانراه إلى ملائكة وشياطين فبهذه الطريقة لا يمكن لأحد أن يلومنا فنحن يجب أن نهرب من الشياطين ولا يمكن أن نكون ملائكة ومن ثم سنجد أنفسنا لا نرى أحدا من حولنا فنكمل الضحك على أنفسنا ونعتقد بأننا نقف على قمة لاتتسع للكثير وبهذا نصنع التميز المزيف!


لا بأس من أن نعترف بتقصيرنا.. لا بأس بأن نكرم من تميزوا بيننا لأنهم بذلوا جهدا لم نقم نحن ببذله فليكن نجاح الآخرين دغدغة لعزيمتنا نصنع بها مستقبلنا الباسم.. وكذلك فلننصح من أخطأوا ولنحاول الاستفادة من أخطائهم كما استفدنا من نجاح غيرهم وبهذا نصدق مع أنفسنا ونكمل حياتنا كبشر لأننا بكل بساطة بشر.. بعيدا عن خلق الملائكة والشياطين وبعيدا عن السدود العالية التي لانستطيع تجاوزها والحفر العميقة التي لايمكننا الخروج منها!



تويتر:
@DrNawras