عربي وعالمي

الفارس الذي طالب بدفن الحقد والثأر
عميد الكلمة غسان تويني وداعا

هل توقف الحرف برهة ؟
هل أعلنت الأبجدية الحداد؟
هل حزن النهار …وستحزن كل نهارات “النهار” لغياب ستارة جرأة كانت لاتنسدل على ضوء ولا موقف .
في نبض الحياة ونكبات الدخان الحرائق والموت ووجع الوطن وأوطان…كان فارس القلم, في موت فلذة الكبد كان سطور التحدي .
غسان تويني عميد الحرف وفارس الكلمة وداعا .


أعلنت صحيفة “النهار” اللبنانية، وفاة النائب والوزير اللبناني السابق، غسان تويني، عملاق الصحافة العربية، فجر اليوم الجمعة، عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاما، في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت بعد معاناة مع المرض.


وقالت الصحيفة في نعيها إنها “ستستمر في مسيرتها الاعلامية في الدفاع بشجاعة عن كل ما تركه لها تويني، الذي عانى بمقتل ابنه جبران توني في انفجار قبل 7 سنوات.


وتخرجت أجيال من الإعلاميين من صحيفة “النهار” التي تملكها عائلة تويني، وأرخت الصحيفة لعقود من أحداث المنطقة.


مناضل مترفع عن الصغائروغالبا ما فضل تويني الصحافة على السياسة، التي أتقنها وتميز فيها بتجرده وترفعه عن المصالح الخاصة الصغيرة، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.


وكان غسان تويني مناضلا لم ترحمه الدنيا، لكنها لم تنل منه. ولعل الضربة الأقسى التي تلقاها كانت العام 2005، عندما اغتيل نجله النائب والصحافي، جبران تويني، في تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من افراد عائلته الصغيرة.


ويروي صحافيون في النهار أن تويني، الذي كان في باريس يوم مقتل ابنه جبران وعاد في الليلة نفسها الى بيروت، اتصل بفريق التحرير ليملي عليهم عنوان الصفحة الاولى في اليوم التالي، وهو العنوان الذي صدرت فيه الصحيفة على ثمانية اعمدة: “جبران لم يمت.. والنهار مستمرة”.


وبالقوة نفسها، وقف تويني في مأتم ابنه يدعو الى التسامح والتعالي عن الاحقاد. وقال في الكنيسة: “أحسست أن هذه الجريمة التي طالت ابني، ومزقت كامل جسده، هي تحديدا جريمة تطال صورة الله. الله الذي خلق الانسان على صورته”.


وبعد أن سلم إدارة “النهار” الى جبران تويني، لينصرف الى مؤلفاته وتقاعده، عاد غسان تويني وتسلمها، عقب مقتل ابنه، بحماس سنوات الشباب وبشغف المهنة ذاته.


ورغم ابتعاده عن السياسة، عاد وقبل تحت ضغط محبيه والأوساط السياسية والشريحة الشعبية الواسعة الوفية لعائلته، أن يصبح نائبا في البرلمان للمدة المتبقية من ولاية ابنه، والتي جاوزت 3 سنوات، وذلك ضمن فريق 14 آذار الذي كان يشكل الاكثرية النيابية والوزارية في حينه.


ثم عاد تويني وسلم الامانة مجددا في الصحيفة والبرلمان الى حفيدته نايلة تويني، ابنة جبران.


وعُرف غسان تويني بسعة علمه وثقافته ودبلوماسيته ومواقفه المستقلة، وان كان شكل في بعض الحقبات جزءا من ائتلافات سياسية معينة.


“لندفن الحقد والثأر”وغسان تويني ابن عائلة ارثوذكسية عريقة من الأشرفية شرق بيروت. ولد العام 1926. وفي عام 1945، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت في الفلسفة. وحصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة.


ودخل تويني البرلمان دون سن الخامسة والعشرين. وشغل مناصب وزارية مهمة. وكان مندوب لبنان الدائم في الامم المتحدة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في أوقات عصيبة تخللها خصوصا اجتياحان اسرائيليان. وينظر إليه على نطاق واسع على أنه “عراب” القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 1978، والذي دعا اسرائيل الى الانسحاب من لبنان، الامر الذي لم ينفذ حتى العام 2000.


من ابرز مؤلفاته “اتركوا شعبي يعيش” في 1984، و”حرب من أجل الآخرين” عن الحرب الاهلية اللبنانية في 1985، و”سر المهنة وأسرار أخرى” في 1995.


أما كتابه الأخير فحمل عنوان “لندفن الحقد والثأر، قدر لبناني”. وصدر باللغة الفرنسية بالتعاون مع الكاتب الفرنسي جان فيليب دو توناك، وهو عبارة عن سيرة ذاتية تروي محطات مهمة من حياة الصحافي والسياسي والدبلوماسي والإنسان.


ضرائب الصحافةكتب تويني آلاف الافتتاحيات في صحيفة “النهار”، وكلفه بعضها دخول السجن بسبب جرأته ومواجهته السلطات في عز نفوذ ما كان يعرف بـ”المكتب الثاني” (استخبارات الجيش) في الحياة السياسية على الدولة في حقبة الستينات وأوائل السبعينات.


وسربت جريدة “النهار” بنود اتفاق القاهرة الشهير السري بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما احدث هزة في الساحة اللبنانية، وتسبب بسجن مرة اخرى لرئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير غسان تويني العام 1973، بتهمة “افشاء اسرار الدولة”.


وتركت السنوات آثارها على وجه تويني، الا انه ظل يطل عبر محاضرات او حلقات تلفزيونية خاصة او منتديات ثقافية، بشعره الابيض ونظارتيه الكبيرتين وسيجارته، وصوته الهادىء الواثق، يروي خبرات حقبة واسعة من تاريخ لبنان الحديث.


وجاهر تويني بإيمانه المسيحي. الا انه آمن، كما كتب، بأن “جوهر لبنان الرسالة هو الديمقراطية التي يجب ان يكون عاصمتها… أي الا يستوطنه الارهاب، ولا تتخمر في أرضه الاصوليات ايا تكن، مسيحية كانت أم اسلامية لا تمييز”. كما دعا الى عروبة الحداثة والتجديد والانفتاح.