أقلامهم

بدر الديحاني: أغلب أنظمة الاستبداد في منطقتنا العربية، لديها دساتير ورقية مكتوبة على ورق مصقول وبلغة عربية سليمة.

احتفالية الدستور ومقاطعة الانتخابات 
كتب المقال: د. بدر الديحاني
جميل جداً أن نحتفل بمرور نصف قرن على المصادقة على وثيقة الدستور، لكن الأجمل لو تعدى الاحتفال الرسمي الألعاب النارية المُكلفة مادياً والكلام الإنشائي المرسل حول احترام الدستور، ليكون الاحتفال عبارة عن التزام فعلي بالدستور، بدلاً من الاحتفال بالمصادقة على وثيقته.
الاحتفال الفعلي بالدستور يبدأ بالاعتراف العلني بالأخطاء السياسية التي ارتُكبت خلال الخمسين عاما الماضية، ثم الالتزام الجدي بإجراء عملية مراجعة شاملة وحقيقية للأسباب التي أدت إلى عدم تطبيقه نصاً وروحاً، ناهيكم عن عدم تطويره، كما ينص، لمزيد من الحرية والمساواة.
ثم الالتزام العلني أيضاً بتنفيذ حزمة إصلاحات سياسية ودستورية خلال فترة زمنية محددة؛ لأن الدستور ليس مجرد نصوص مكتوبة على ورق مصقول وموضوعة داخل غلاف مذهّب، بل هو نظام متكامل لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، أي أنه تطبيق فعلي لنظام الحكم الديمقراطي، أي الحكم الصالح والرشيد حيث السيادة للأمة، وحيث الفصل كامل بين السلطات الثلاث والمواطنة الدستورية وتكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وغني عن البيان أن أغلب أنظمة الاستبداد والقمع في منطقتنا العربية على وجه الخصوص لديها دساتير ورقية مكتوبة على ورق مصقول وبلغة عربية سليمة، وقد تخلو من العيوب النظرية والقانونية البحتة، لكن الخلل والنواقص والعيوب هي بالممارسة الفعلية على أرض الواقع، فالنظام القمعي في سورية، مثالاً لا حصراً، لديه دستور مكتوب لكن ذلك لم يمنعه سواء في السابق أو حالياً من قمع الشعب السوري وتقييد حرياته وارتكاب مجازر ضد البشرية وانتهاكات صارخة ضد حقوق الإنسان.
إنه من المؤسف أن نحتفل بمرور نصف قرن على إصدار الدستور بينما هناك العديد من القوانين المخالفة للدستور لا تزال سارية المفعول، وتطبقها الحكومة بشكل انتقائي في أحايين كثيرة كقانون التجمعات، مثالاً لا حصراً.
كما أنها مفارقة محزنة أن تأتي هذه المناسبة الوطنية في الوقت الذي تتجاوز الحكومة الدستور بشكل واضح، فتقوم منفردة بتعديل قانون الانتخاب (آلية التصويت) بالمخالفة لنص المادة (71) من الدستور وروحها، مما سيتيح لها المجال للتحكم بنتائج الانتخابات التشريعية، الأمر الذي من الممكن أن يترتب عليه تنقيح الدستور وتفريغه من محتواه، ثم تحويل مجلس الأمة إلى مجلس صوري بلا سلطة رقابية فعلية، خصوصاً أن للحكومة سوابق في هذا الجانب.
مخالفة الحكومة للدستور قوبلت، كما كان متوقعاً، بالرفض من قبل قطاع واسع من الشعب اعتبرها سلباً لإرادته وتعدياً على حقوقه ومكتسباته الدستورية، وهو الأمر الذي انعكس على عمل القوى السياسية والشبابية الفاعلة، حيث تجاوزت مرحلياً خلافاتها الفكرية والسياسية من أجل توحيد صفوفها في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة في الأول من ديسمبر ترشحاً وتصويتاً حتى لا تعطي للمجلس القادم شرعية سياسية وغطاء شعبيا، وهو تعبير صادق له دلالته للاحتفال بذكرى إصدار الدستور.
يشار هنا إلى أن الذهاب إلى مكان الاقتراع والإدلاء بالصوت يعتبر مشاركة في الانتخابات بغض النظر عن طريقة التأشير على ورقة التصويت سواء كانت بشكل سليم أو بشكل باطل، مثل الورقة البيضاء أو اختيار أكثر من العدد المطلوب أو الكتابة على ورقة الاقتراع.