أقلامهم

بدر الديحاني: خيار القبضة الأمنية يتناقض تناقضاً صارخاً مع منطق التاريخ، وانتهت صلاحيته.

الاتفاقية الأمنية الخليجية بين الأمس واليوم 
كتب المقال: د. بدر الديحاني
باستثناء الكويت، فإن هذه ليست المرة الأولى التي توقع دول مجلس التعاون الخليجي على اتفاقية أمنية، فقد سبق أن وقعت الدول الخمس الأخرى عام 1993 على “الاتفاقية الأمنية الخليجية”.
امتناع الكويت آنذاك عن التوقيع على الاتفاقية كان بسبب تحفظها على (18) مادة بعضها يتعارض مع الدستور، فماذا حصل، يا ترى، لتوافق عليها قبل أيام؟ هل عُدلت المواد التي تحفظت عليها الكويت أم أُلغيت؟ أم أن الاتفاقية هي نفسها التي رفضتها الكويت قبل عشرين عاماً لعدم دستوريتها بعد إدخال بعض التعديلات الشكلية التي لا تمس المضمون؟
لا أحد باستطاعته الإجابة عن هذا السؤال لسبب بسيط هو أن الاتفاقية الأمنية الجديدة لم تنشر حتى الآن، وهو الأمر الذي يثير بدوره الكثير من علامات الاستغراب والتعجب، حيث من المفروض دستورياً أن تنشر الاتفاقية حتى يتسنى للرأي العام الاطلاع عليها وإبداء رأيه فيها.
صحيح أن الدستور يعطي الحق للحكومة بإبقاء بعض البنود السرية لأي اتفاقية لكن شريطة ألّا تتناقض مع البنود المعلنة التي يجب ألا تكون متعارضة مع الدستور.
الأمر الآخر المثير للاستغراب هو توقيت التوقيع على الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تحتوي نسختها القديمة على نصوص كثيرة مقيدة للحريات خصوصاً حرية الرأي والتعبير، حيث إن التوقيع أتي عكس ما يحصل حالياً في المنطقة العربية، وهو أمر يصعب تفسيره، ناهيكم عن قبوله شعبياً سواء على مستوى دول الخليج بشكل عام أو على مستوى الكويت كدولة دستورية بشكل خاص.
ففي الوقت الذي أسقطت ثورات الربيع العربي خيار القبضة الأمنية و”قوانين الطوارئ” و”عسكرة” المجتمع، وأعلت من شأن قيم إنسانية سامية مثل الحريات والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة، نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي توقّع في هذا الوقت، إن كانت فعلاً قد اعتمدت النسخة القديمة ذاتها، على اتفاقية تتبنى خيار القبضة الأمنية وتقييد حرية الرأي والتعبير، وهو خيار أو بديل يتناقض تناقضاً صارخاً مع منطق التاريخ، وانتهت صلاحيته في الأغلبية الساحقة من دول العالم. وبالطبع فإن دول الخليج وشعوبها ليست استثناءً من القوانين العامة التي تحكم تطور المجتمعات البشرية رغم اختلاف التفاصيل بين بلد وآخر.
وحتى تتضح الصورة أكثر فإن المطلوب الآن من الحكومة هو نشر الاتفاقية الأمنية الخليجية التي وقعت عليها قبل أيام حتى يطلع عليها المواطنون ويبدوا آراءهم فيها، ويطمنئوا أنها لا تتعارض مع نصوص الدستور وروحه قبل استكمال بقية الإجراءات الدستورية.