آراؤهم

البدون وهواية الاعتقال

البدون وهواية الاعتقال

يوسف الحربي
يعرف الصينيون الجنون بأنه ممارسة ذات العمل على مدى فترة طويلة وانتظار نتائج مختلفة في نفس الوقت، لا أدري لماذا سقت هذا التعريف، خصوصًا وإني اليوم أسجل مقالتي الأولى بعد أن تمردت على طبيعتي التي لم أظن في يوم من الأيام أنها ستجعلني أصرف من وقتي لأكتب مقال أسكب فيه معاناتي، وأشكلها بحرفنة الأحرف والكلمات، في عشرة أيام قضيتها بالحبس الانفرادي على اثر مشاركتي بالاعتصام السلمي في 1 مايو 2011م.. حيث كنت أحادث نفسي، فأفكار تخطفني إلى براكين ثائرة وأفكار تحملني لهدوء المقابر، فتلاطم أفكار بين الاستمرار بالمطالبة بالحق وبين الهجرة وترك خراب مالطا، وبين محاولة للانشغال بالدنيا وزينتها مرت الأيام العشر ولم ترسو سفينة افكاري على ميناء القرار، وبعد الإفراج عنّا ورؤية الوجوه الباسمة التي التفت حولنا، جعلتني أقسم غير حانث بقسمي أني لن ولم أخذل عجوزًا باتت ليلتها على دموع انسكبت على وجنة قطعتها السنين العجاف، ولا فتاة ترى أحلامها توأد وحياتها انحصرت على الأكل والشرب، ولا طفلًا غيّبته براءة الأطفال من أن يبصر مر الواقع وقسوته.
إن الأمر الذي لا يعرفه الظالم، بأن ممارسة الظلم جعلت من المصاعب هواية فصرنا نتسابق على الاعتقال لا لضعفنا بل لنقيم الحجة على بقية أبناء جلدتنا، وعلى الظالمين وعلى المجتمع المحيط بنا، لا نريد من وراء هذه التضحية دموعًا وأفراحًا وأتراحًا، ولكن شعلة نور نضيء بها طريقنا المظلم، ولكني في نفس الوقت لا أفهم ولا أستوعب ولا أدرك كيف للمرئ أن يعيش بلا كرامة، فيكون كالبهيمة لا يختلف عنها بشيء، فالبهائم تأكل وتشرب وتنام وتعاشر وتعبد الله.. ألم يقل الله تعالى: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولًا”.. وقال أيضًا: “لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز”.
علمتنا الدنيا إن المسجونين ينتصرون على سجانيهم، وإن دوام الحال من المحال وأنه مهما بلغ الانسان من الحذر والخبث والمكر، فإن للحق جولة ينتصر فيها ليحسم المعركة وأن تدبير الظالم كان الحفرة، التي وقع فيها وهنا يجب أن نضع النقطة التي نختم فيها المقال، ولكن قبل أن أودع تباشير النصر تذكروا جيداً “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.. فلا تتوقعوا إن الملائكة ستملأ تيماء والصليبية لتدافع عن حقوقكم، فالدعوة بلا عمل تواكل والشكوى من غير عمل نفاق والعمل بلا تدبير هو جنون.
@yousefal7rby