أقلامهم

مقالة ساخنة
حسن العيسى: صورة الطفلين المصفدين، تخبرنا عن جمال وروعة الحرية في بلد “مو ناقصنا شي والحمد لله”.

في رده على رسالة إحدى السيدات التي شجبت ما كتبه حول انتهاكات علنية حدثت في جلسة محاكمة النائب السابق “مسلم البراك”.. قال الكاتب “حسن العيسى” بأن الأصفاد التي كبلت الطفليّن المشاركيّن باحدى مسيرات كرامة وطن تصلح بأن تكون قلادة عبودية تزيّن رقبة تلك السيدة.
“العيسى” تهكّم في رده على السيدة التي قالت بأن (الكويت عظيمة فيها حرية وديمقراطية، ومو ناقصنا شي).. مشيرًأ إلى هذه الأيام نشهد محاسبة “عبدالحكيم الفضلي” و”راشد العنزي” لمجرد إنهم عبروا عن آراءهم بعفوية عبر (تويتر).
سبر رأت بأن ما كتبه “العيسى” تستحق أن تكون المقالة الساخنة لهذا اليوم.



لو أقدر! 
كتب المقال: حسن العيسى
لو أقدر أن أنزع الأصفاد الحديدية التي كبلت قدمي طفلين عند مصعد في قصر العدل لصنعت منها قلادة عبودية تزين رقبة السيدة التي بعثت إلي برسالة إلكترونية تشجب ما كتبته، أمس الأول، عن جلسة محاكمة مسلم البراك، وما صاحبها من انتهاكات لمبدأ علنية الجلسات، وتختم رسالتها بأن الكويت عظيمة فيها حرية وديمقراطية… “ومو ناقصنا شي”. صورة الطفلين المصفدين، وكأنهما سفاحان خطيران، تخبرنا عن جمال وروعة الحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأطفال في بلد “مو ناقصنا شي والحمد لله”.
لو أقدر، ويا ليتني، أملك صوراً كثيرة لراشد العنزي وعبدالحكيم الفضلي وغيرهما، وهم في السجون لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم عفوياً عبر “تويتر” أو حرضوا على تظاهرات غير مرخصة، وافترضت جهة الادعاء على وجه اليقين أنهم ارتكبوا جرماً خطيراً بالمساس بسمو الأمير وسلطاته، وكأن أجهزة الأمن والتحقيق شقت قلوبهم وقرأت مقاصدهم مفترضة سوء النية.
ليتني أعلق صور هؤلاء المتهمين على حوائط غرف النوم فوق أسرتهم الدافئة الوثيرة وفي صالونات جلوس المؤلفة قلوبهم من مريدي بعض شيوخ أهل الأريحية النفطية والكرم الطائي، (كرم حاتمي من بيت المال وليس من جيوبهم الخاصة بطبيعة الحال)، لعل فرق المريدين من التبع، يدركون، ولو للحظة واحدة، أن هناك بشراً غيرهم، صودرت حرياتهم ومست كراماتهم أسابيع ممتدة وسنوات طويلة بسبب شبهات قلقة بجرائم الرأي، عل وعسى أن ينبض عرق صغير بوخز الضمير في معاصم لوردات ودوقات نظامنا الحاكم “كامل الأوصاف”، كما يرسمه فنانو البؤس بلوحات المريدين.
لو أقدر، أن أنقل لتبع النظام، الذين بينهم وبين الفكر والثقافة الإنسانية مسافات شاسعة، ليس لها من حدود، ولا لعمقها من قرار، أوضاع إخوانهم وأخواتهم البدون… كيف تحيا تلك الجماعات المنفية من الوجود القانوني والإنساني، وتناست السلطة ما قدمه كثير من  هؤلاء البدون أو آباؤهم وجدودهم للدولة عبر الخدمة في الجيش أو الشرطة، والأرواح الرخيصة التي بذلوها من أجل هذا الوطن. واليوم تطوى صفحتهم من الذاكرة الكويتية، وكأنهم غير موجودين، ويعلق مصيرهم على “احتمالات” صدقات أصحاب السيادة في مجلسهم، أي مجلس التابعين وحكومتهم المتبوعة ليوم الدين.
لو أقدر، أن أقرأ على جماهير الموالين بعضاً من النصوص القانونية التي غاب عنها عمداً التشريعات التي تنظم أوضاع الخدم الخصوصين، وتضع الحدود الدنيا لحقوقهم التائهة في إمبراطورية “مو ناقصنا شي”.
لو أقدر أن أذكر بارونات الدولة بالقانون الذي يحظر على القضاء النظر في مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد الإداري، أو القانون الآخر الذي يحظر منح غير المسلم الجنسية الكويتية حين شرع بالتواطؤ بين السلطة التنفيذية وجماعة الفرقة الناجية السياسية في مجلس 81، لربما أدرك المريدون أن غياب تلك التشريعات، أو فرض مثل هذا التشريع الأخير، يخرق ويقتل أبسط مبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ المنسية في ديمقراطية المزاج الواحد ولا تداول للسلطة.
لو أقدر لكتبت الكثير عن مصيبة الدولة التي تحيا وتعشق فلسفة من “صادها عشى عياله”، وما أكثر الذين صادوا الملايين وعاش أولادهم وضمنوا البحبوحة لذريتهم من بعدهم وتناسوا وطنهم متغطرسين متعالين على الآخرين المحرومين… لكني لا أقدر، وليس لي غير أن أذكر، أن مصيبتنا ليست في هذه السلطة، وإنما في مستنقع ثقافة الخواء التي تتكاثر فيها فيروسات “مو ناقصنا شي”.