أقلامهم

وليد الرجيب: قبيل الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية عام 2008م، بدأت العودة الى أفكار الاشتراكية.

أصبوحة / هل يتجاوز اليسار أزمته؟
وليد الرجيب
قال زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زوغانوف في المؤتمر الخامس عشر للحزب الذي عُقد أول من امس (23 فبراير الجاري) في موسكو: «ان الحركة الشيوعية الدولية تجاوزت أزمتها وان العالم يقف أمام التحول نحو اليسار» مضيفاً: «أن القاعدة الاجتماعية للرأسمالية تتقلص، وأي وسائل قمع لا يمكن أن توقف تحول الملايين الى الاشتراكية».
وبدوره، أشاد الرئيس الروسي بوتين بدور الحزب الشيوعي الروسي في الحياة السياسية وفي الدفاع عن حقوق المواطنين الاجتماعية ودعم الزراعة والتعليم والصناعة (وكالات وروسيا اليوم)، علماً بأن بوتين ظل لسنوات يضيَق على الحزب الشيوعي الروسي، كما اعتقل زوغانوف مرات عدة، وهو زعيم اليسار في روسيا الاتحادية وليس زعيم الحزب الشيوعي فقط.
فرغم الدعاية المضادة للاتحاد السوفياتي والفكر الاشتراكي من قبل الدول الرأسمالية الكبرى أثناء الحرب الباردة، الا أن الأفكار اليسارية ومبادئها انتشرت في العالم كله بما فيها الدول العربية، وأيضاً رغم لجان مكافحة الشيوعية التي أسستها بريطانيا والولايات المتحدة في الدول العربية والتي تسببت في التنكيل بالشيوعيين العرب وتعذيبهم واعدامهم، الا أن الأفكار اليسارية راجت بشكل واسع، فبعد انتصار الاتحاد السوفياتي على النازية عام 1945م سادت في العالم فترة نهوض يساري كبير، بل انشقت بعض الأحزاب القومية مثل «القوميين العرب» الى يمين ويسار، وعلى اثر ذلك تشكلت فصائل المقاومة الفلسطينية كتنظيمات يسارية، ولم تفد محاولات الرجعية العربية التي تحالفت مع قوى الاسلام السياسي في الصاق تهمة الالحاد والتفسخ الأخلاقي للشيوعيين، بل تنامى نهوض اليسار ولقيت أفكاره المتمثلة بالعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص صدى في نفوس البشر، بعدما أدخلتهم الرأسمالية في حروب مدمرة وأزمات اقتصادية دورية وعامة مثل أزمة «الكساد الكبير» عام 1929م سببت بؤساً للشعوب خاصة الفقيرة منها.
ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية في أوائل تسعينات القرن الماضي وسيادة القطب الواحد بحيث أصبحت الولايات المتحدة وحدها سيدة العالم، تقلص نفوذ اليسار وسادت النزعة النيوليبرالية أو الرأسمالية المتوحشة فعم البؤس والافقار شعوب العالم، واحتلت الولايات المتحدة بعض دول الشرق ونهبت ثرواتها ودمرت آلاتها العسكرية وبناها التحتية وزرعت الشقاق العرقي والديني والطائفي فيها.
وقبيل الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية عام 2008م، بدأت العودة الى أفكار الاشتراكية ونجحت في بلدان عدة خاصة في دول أميركا اللاتينية، وعلى اثر هذه الأزمة العميقة اتجهت العديد من الدول الأوربية الى اجراءات التقشف والتراجع عن المكتسبات الاجتماعية، ما أيقظ شعوب العالم فأُعيد الاعتبار الى أفكار اليسار والنظام الاشتراكي مرة أخرى كبديل عن النظام الرأسمالي الذي بدأ يخبو بريقه ويفقد قاعدته الاجتماعية كما قال «زوغانوف»، والآن تسود العالم موجة نهوض يساري تشبه النهوض في النصف الثاني من القرن الماضي، بل وصلت أحزاب اليسار وتحالفاتها الى الحكم في بعض البلدان، وطال هذا النهوض بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة.
وفي الواقع لم يسقط الفكر اليساري حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كما تجاوزت أحزاب اليسار أزمتها خاصة مع تطور وانتشار وسائل الاتصال الالكتروني، فالفكر والنظرية العلمية ليسا مرتبطين بتجربة هنا أو تجربة هناك ولكن نجاحهما يرتبط بالتطبيق الخلاق والأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل بلد ومجتمع، لكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد جمود وأوهام في تطبيق النظرية عند بعض الأحزاب، ويجب تحليل ونقد الفهم والتطبيق الخاطئين لها.