أقلامهم

عواطف العلوي: مافيا الأغذية الفاسدة بنفوذها المتنامي ومحاميها الماهرين يستفيدون من الثغرات القانونية للنفاد من العقوبات.

مندهشة 
جراثيم بشرية..! 
عواطف العلوي 
إحصائية رسمية قرأتُها قبل فترة تقول: في الكويت مطعم لكل (670) فردا في الكويت، مقابل مطعم لكل (5000) فرد في مومباي مع الفارق الشاسع جدا بين مساحة البلدين وعدد سكانهما.
ولا أدري إن كان يُفترض بنا أن نتباهى بهذا الكم غير الطبيعي من المطاعم المتنوعة في بلدنا، حتى صار بين كل مطعم ومطعم هناك مطعم، وداخل كل مطعم هناك مطعم.. أم أنه ابتلاء وهاجس بات يقلق صحتنا وحياتنا وحياة أبنائنا..؟!
فساد الأغذية كان عنوان الندوة التي افتَتحَت بها أنشطتها وفعالياتها مجموعة (نساء ضد الفساد) التي أفخر بأنني من مؤسِّساتها، وأحمل من خلالها -مع باقي العضوات- أهدافًا وتطلعات لا حدود لها لهذا الوطن العزيز على جميع الأصعدة.
فأخبار ضبط وإتلاف كميات مهولة من الأغذية الفاسدة يوميا تقريبا لم تسعدنا بقدر ما فتحت أمامنا -مواطنين ووافدين- سيلاً من الأسئلة لم تلقَ لها جوابًا شافيًا، ورسمت غشاوة كثيفة حجبت عنا رؤية الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الدرامي الماسخ والسمج جدًا..! 
لذا كانت استضافتنا لشخصيات من الميدان، تبين للحضور حجم المشكلة وتبعاتها وسبل علاجها وآخر ما تم بشأنها. فكان ما كشفه لنا المحاضرون من معلومات شيئًا محزنًا لنا بل مرعبًا عن وسائل وممارسات ماكرة وخبيثة يبدع تجار الأغذية الفاسدة في ابتكارها كل يوم للغش والربح الفاحش السريع، وتصريف المئات من أطنان الأغذية الفاسدة عبر الأسواق إلى بطون المستهلكين، ما بين طرق الغش في وزن الأغذية المبيعة، وبين وسائل خلطها بمواد للتلاعب بمدة صلاحيتها (ظاهريا)، غير عابئين بما تسببه تلك المواد المسرطنة من ضرر ينخر بصحة البشر، وبين تزوير الأختام التي تُختم بها لحوم الذبائح، وبين الترويج لأغذية مَنعَت الدول المتقدمة تداولها بناء على دراسات وبحوث عالمية أثبتت ضررها، فلم تجد شركاتها ومصانعها مصرفا لتلك السموم أفضل من أسواقنا، وتجارنا بالطبع هم أفضل عون لهم، والمستهلكون في بلادنا هم أنسب وعاء، وبين لحوم خنازير محرمة، ودجاج لا توجد رقابة صارمة تتابع عمليات ذبحه على الشريعة الإسلامية في الخارج قبل استيراده، وبين مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري..!
وفي مقابل مافيا الأغذية الفاسدة تلك بنفوذها المتنامي ومحاميها الماهرين في الاستفادة من الثغرات في القوانين الحالية للنفاد من العقوبات، يتضح -بشكل بائس مثير للإحباط- الفشل في جهود السلطة التشريعية والتنفيذية والقصور في كفاءتهما بِسَنّ تشريعات رادعة وإجراءات حاسمة لمكافحة هذا الفساد، والعجز عن توظيف التقنيات والمختبرات الحديثة لكشف التلاعب في الأغذية، فحكومتنا تؤمن بالبساطة و(تثق جدًا) بحاسة الشم والذوق واللمس لدى مفتشي الأغذية، ولا ترى داعيًا لتزويدهم بتلك التقنيات الحديثة «البطرانة»!
ثم يأتي مسؤول حكومي ويقول إن المستهلك شريك في القضية وعليه مسؤولية الوعي والتبليغ! كيف يا بابا والمستهلك لا يدرك أصلاً سبل التلاعب والغش؟! وللعلم، هناك توصيات من الأمم المتحدة وقّعت عليها دولة الكويت تنص على أن من حق كل فرد أن يعي كيفية اختيار الغذاء الصالح لاستهلاكه، عبر حملات إعلامية وافية شاملة تقدمها الحكومة عبر كل وسيلة إعلامية متاحة، فهل نفذت حكومتنا تلك التوصيات، هل منا من يستطيع التمييز بين الطعام الصالح وبين الطعام الفاسد أو المغشوش؟! وحتى رقم الهاتف المخصص للتبليغ عن المخالفات -إن كان مُفَعَّلاً أصلاً- فأنا أجزم بأن 99.999 بالمئة من المستهلكين لا يعرفونه!
تقديرنا كبير واعتزازنا عميق بجهود المخلصين من مفتشي الأغذية الذين تحترق قلوبهم يوميا وهم يرون ممارسات هذه الجراثيم البشرية في الأسواق، لكنها تظل جهودا نمطية سطحية متواضعة لا تعوض تقاعس الحكومة والنواب واتحاد الجمعيات عن القيام بدورهم كاملا تجاه تلك القضية الجادة..!