أقلامهم

عواطف العلوي: وقوف حدث تحت الشمس طلباً للرزق، هو الجريمة الأخطر التي استنفرت قانوننا المبجَّل.

مندهشة 
تحت الاختبار..! 
عواطف العلوي 
هناك أمور يتسم بها بلدي ويسجلها له التاريخ، ولكن ما زال الكثيرون ينكرونها ولا يصدقونها.. أو -وهو الأرجح- يغضون الطرف عنها، ويمرون عليها مرور الكرام، لأن العلاقات والمصالح والحفاظ على تماسك «النسيج الوطني» أهم منها وأولى بالرعاية.. من تلك الأمور أن البقاء فيه للأكثر مراوغة، للأمهر خداعا وتلاعبًا، للأجرأ تمرُّسا في فنون وتقنيات ممارسة الفساد تحت حماية القانون. أما غيرهم فلا عزاء له، له الفضلة معجونة بألف منّة ومنّة، وإن لم ترُق له رفعوا في وجهه الكرت الأحمر «إذا مو عاجبتك هالديرة شوف لك ديرة ثانية»!
 تطبيق القانون أمر مطلوب بل وضروري جدا لاستتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي، والشعور بالعدالة مهم لبناء النهضة والتنمية في أي مجتمع، هذا فقط وفقط إذا طُبِّق على الجميع بلا استثناء، الكبير قبل الصغير، الغني قبل الفقير، الشيخ قبل المواطن العادي، الكويتي قبل الأجنبي، ساعتئذ الكلُّ يحترم القانون وهيبته، بل ويفخر أنه يعيش في ظله وبحمايته.
ولكن، أن ينتقي القانون الحلقات الأضعف في المجتمع فقط ليطبق عليها عقوباته، ويستعرض عليها عضلاته المنفوخة هواء، ليتبجح بعدها في الصحف ووسائل الإعلام بأنه لا ولم ولن يتهاون في ردع المخالفين والفاسدين، وخلف ظهره يسرح ويمرح أكبر تجار الفساد، وأعتى حرامية الأموال العامة، وأخطر مروجي المنكرات والممنوعات، رافعين أصابعهم خلف ذلك المسؤول الذي يصرّح أمام الشاشات والميكروفونات بإشارة «العبيط أهو أهو»! مثل هذا القانون المزاجي الانتقائي «المصلحجي»، هل يجد من يحترمه؟ ها؟ يا متعلمين يا بتوع المدارس؟!
شاب حدث في الثامنة عشرة من عمره من «البدون» تجرأ قبل أيام وحاول أن يُخرج رأسه من الحفرة التي دفنه بها وطنه ليتنفس، سعى لأن يكسب رزقا حلالا ببيع «الرَّقِّي» -وهو البطيخ الأحمر لغير الناطقين بالكويتية- فيُقبَض عليه بتهمة مخالفة القانون و«وضع بسطة على الرصيف»، ويُحكَم عليه بوضعه تحت الاختبار شهرًا كاملًا تحت إشراف وتوجيه «مراقب السلوك»!
طيب، أنا هنا لن أردد ما قاله غيري، ولن أسال نفس سؤالهم: أين القانون من المطاعم والشركات والتجار الذين أغرقوا السوق باللحوم والأغذية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي؟! لكني سأسأل القانون ومنفذيه أينكم وأين حميتكم تلك عمَّن يبيع الأغذية وشتى أصناف الحلويات بل والأدوية والمكملات الغذائية في البيوت والمعارض، ومن خلال موقع الأنستغرام الذي صار سوقا رائجة لكل من هب ودب دون حسيب أو رقيب؟! ما الفرق بينهم وبين من باع على بسطة متواضعة على الرصيف من دون ترخيص؟!
أليسوا كلهم يبيعون من دون رخصة ولا شهادات صحية من البلدية، لمن يطبخ أو يستورد تلك السلع ويبيعها منهم؟!
هل من جواب؟ أم هو ما قلتُه في معرض مقالي، بأن تطبيق القانون يتم على الحلقات الأضعف فقط في المجتمع! أم هو تكتيك تمارسه لجنة «البدون» لتكديس قضايا في ملفاتهم «عمّال على بطّال»، لاتخاذها ذريعة ضد تلك الفئة البائسة من البشر، تسوغ للّجنة رفض طلباتهم بالتجنيس مسنودة بتأييد شعبي، بعد تسويق إعلامي مفترٍ ومجانب للواقع، بأن تلك الفئة هي سبب كل الجرائم في البلد! 
إذا كان وقوف حدث تحت الشمس طلباً للرزق، هو الجريمة الأخطر التي استنفرت قانوننا المبجَّل لينفض عنه سباته ويعاقبها، فأنا أقترح بأن يوضع من سَنَّ هذا القانون.. تحت إشراف «مراقب السلوك»، ولمدة قرن..!