كتاب سبر

المرجفون في الخليج

الإرجاف في اللغة بث الأكاذيب وقول الباطل وإثارة الفتن ، بقصد تهييج الناس وإيقاعهم في الاضطراب الشديد والبلبلة ، ويقابلها في اللغة الدارجة الإشاعة. وللإرجاف عدة صور ، منها اختلاق الأخبار الكاذبة التي لا أصل لها ، أو تزوير الحقائق وترويج الأخبار المشككة ، أوتضخيم وتهويل الأخبار السيئة. 
 ومهما أختلفت صور الإرجاف يبقى الهدف زعزعة الأمن عبر إشعال نار الفتنة بين العامة وتمزيق نسيج التلاحم بينهم. ومصدر الإرجاف عادة هم الأعداء في الخارج ، ولكن أشدهم خطرا وفتكا المرجفون من بني جلدتنا الذين يعيشون بين أظهرنا .
 والسر في خطورتهم أنهم متغلغلون في المجتمع وعلى دراية بمكوناته وطبيعة أفراده ، كما أنهم على إطلاع بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة ، مما يجعلهم أبواق فتنة وخنجرا مسموما في الخاصرة . وقد حرم الشارع الحكيم الإرجاف وقرن فعل المرجفين بفعل المنافقين ، بل وتوعدهم بالوعيد الشديد قائلا جل شأنه ” لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا “.
ومنطقة الخليج العربي ليست بمنأى عن هذا الخطر ، فقد ازدهرت فيها بيئة الإرجاف منذ إندلاع ثورات الربيع العربي ، وأصبحت مرتعا خصبا للمرجفين. ويمكن تصنيف المرجفين في الخليج تبعا لولاءاتهم المادية إلى نوعين: نوع مجند من جهات خارجية إقليمية لتنفيذ أجنداتها في المنطقة ، والنوع الآخر يخضع لتوجيهات  من أنظمة حاكمة لتصفية حساباتها مع أنظمة أخري. وقد استغل هؤلاء المرجفون تباين سياسات وردود أفعال دول مجلس التعاون تجاه ثورات الربيع العربي ، خاصة في مصر وسوريا ، لبث الفرقة وشق الصفوف بين شعوب المنطقة. 
كما وجدوا ضالتهم الكبرى مؤخرا في واقعة سحب السفراء من دولة قطر الشقيقة ، فاستحوذت على جل اهتمامهم فشمروا عن سواعدهم وشنوا هجومهم ، مستخدمين كل الوسائل المتاحة ، سواء الإعلامية أو مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها ، يروجون الأكاذيب والإفتراءات ، ويضللون العامة ، ويزرعون بذور الشقاق والكراهية.
 بل قد وصلت الجرأة والوقاحة في بعضهم إلى المطالبة العلنية بتفكيك منظومة مجلس التعاون والاستعاضة عنها بمجلس بديل يتم استبعاد بعض دول الخليج من عضويته. وشاء الله أن يخيب مسعاهم ويرد كيدهم في نحورهم بعد نجاح مساعى المصالحة الخليجية التي قادتها دولة الكويت باقتدار لتطويق الأزمة ورأب الصدع ولم الشمل.  
إن مرجفي الخليج مسوخ قد انسلخوا من عقيدة الدين يوم باعوا قيمهم وضمائرهم وكرامتهم مقابل حفنة من منافع دنيوية . ولا شك أن هذه التوافق في الموقف الخليجي قد أقض مضاجعهم وأغاظ قلوبهم العليلة ، وهم قطعا لن يقفوا مكتوفي الأيدي حياله ، بل سيواصلون مكر الليل والنهار لتحقيق مآرب أسيادهم. 
إن المواطنة الحقة والانتماء والولاء للوطن يفرضان علينا التصدى بحزم لهؤلاء الشرذمة وقطع دابرهم ودحر مكرهم ، وذلك من خلال الوسائل التالية:
– تحري الصدق في تلقي الأخبار والتثبت من مصادرها من منطلق قوله عزوجل {ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُو?اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو?اْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى? مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
–  عدم تداول وترويج الأخبار المشكوك في صحتها
–  الإيمان المطلق بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
–  كشف المرجفين وفضح أساليبهم وألاعيبهم
قال عليه الصلاة والسلام ” إنه أتاني الليلة آتيان وقالا لي: انطلق ، فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلُّوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى” ، فلما سئل عن ذلك ، قيل: ” إنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق”.
تويتر @dralfahhad