كتاب سبر

إن شاء الله .. بالكويتي

لقد أرشدنا الخالق جل شأنه إلى الأدب الجم في عزمنا على فعل أو قول شيء في المستقبل ، وذلك في قوله “وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ” (سورة الكهف). فقد أورد المفسرون أن المراد بهذه الآية الكريمة  قرن مقادير وحوادث الأمور المستقبلية بمشيئة الله عز وجل ، حتى إذا تعذر الوفاء بالموعود لأي عائق فإن المرء يخرج من دائرة الكذب.  كذلك قال أهل العلم أن ذكر مشيئة الله فيه تضرع واستعانة من العبد بربه لتيسير الأمر وتسهيله ، وحصول البركة فيه . 
والأحاديث النبوية في هذا الباب كثيرة  ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله للصحابي عتبان بن مالك رضي الله عنه عندما طلب منه الصلاة في بيته “سأفعل إن شاء الله” ، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ” لا بأس طهور إن شاء الله ” و “ثبت الأجر إن شاء الله” وغيرها من الأحاديث الشريفة.
ولكن يبدو أننا معشر الكويتيين – بصورة عامة – لنا وجهة نظر أخرى معاكسة حيال هذا المنهج النبوي ، على الأقل من المنظور السلوكي. فقد جرت العادة والعرف لدينا أن تكون مقولة ” إن شاء الله ” مخالفة لنوايانا الحقيقية. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ، فنحن مثلا حينما نقول لشخص ما ” إن شاء الله ” مقابل طلب زيارة له أو تواصل معه أو مساعدة أو أمر من نوع ما ففي الغالب نقصد بها ” التطييب ومداراة الخاطر ” أو رفع الحرج عن كاهلنا.  وتزدهر هذه العادة الذميمة وتبلغ أوجها في مواسم الإنتخابات ، حينما يطوف المرشحون بالدواوين والمجالس خلال حملاتهم الإنتخابية لإستقراء فرصهم واختبار قواعدهم ودراسة احتمالات فوزهم ، فيرجع عامتهم بخفي ” إن شاء الله “. بل قد بلغ الحال أن أحد الأجانب المقيمين في الكويت قال لي في إحدى المناسبات أن كلمة ” إن شاء الله ” تركت لديه إنطباعا أن ما يطلبه لن يتم ولن يدركه ! 
لقد طغت المجاملة الاجتماعية وزيف الإتيكيت وترويج الآمال الوهمية على الصدق في التعامل وإخلاص النوايا بين الناس ،  فتغافل العامة عن قاعدة عظيمة من قواعد الشرع ” إنما الأعمال بالنيات ” ، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. 
د جاسم الفهاد
3 إبريل 2015