كتاب سبر

عاصفة

مع اهتمامنا بالوضع الاقليمي والمعاناة الانسانية لاخواننا في اليمن، ومع خطورة الوضع انسانياً وسياسياً على المنطقة والاقليم والعالم أجمع، ليس هذا هو مربط الفرس في الموضوع بالنسبة لنا ككويتيين، مربطنا مربط خطير معقد موبوء، تفوح منه روائح خلافات متجذرة شديدة الحرقان سريعة الاشتعال. هل من فائدة تذكر لاستعراض آرائنا في الموضوع؟ فبحكم الوراثة والوراثة وحدها نحن جميعاً، شيعة وسنة، عرب وعجم وبحارنة وحساوية وجناعات وغيرها من التقسيمات التي لا أفهم كوعها من بوعها، أرددها كما أسمعها والاعتراف بالجهل فضيلة، مقسمين، مجهزي الغايات مبيتي النوايا، فمهما قلت وحللت من رأي أو وجهة نظر، سيغلبك دوماً أصلك وانتماؤك العرقي والطائفي، وكأنه وصمة، بقعة حبر تقع على كل ما يصدر منك فلا يرى الناس سواها. ولربما يحق للناس هذا التعميم، فنحن فعلياً مقسمين متخندقين، مواقفنا “بيولوجية” المنطلق ذات طابع كوميدي ساذج، فكيف يمكن تفادي هذه الخنادق العديدة ونحن نحكم على الأحوال من حولنا و على مواقف الآخرين ونحن مغمورين فيها؟
وهكذا كان، كل سني يقف مع “عاصفة الحزم” هو كاره للشيعة وكل شيعي يقف ضدها هو طائفي، أما السني المضاد لهذه الحرب فهو عميل وخائن والشيعي المساند لها فهو فاسق مارق. الكل يصنًف والكل مصَنف، واليمن، بعيداً عن نزاعنا المريض، يغرق في مصائبه. ومن ثم أتت جريدة “القبس” بالقول الفصل حين نصت في “مختصرها المفيد” ليوم 28 مارس أن “كل صوت معترض الآن مرفوض…فأي معترض كمن يشق الصف من حيث يدري…أو لا يدري”، وهذه القبس، عميدة الحريات تقول لكم “اربطوا ألسنتكم” وانتظموا في الصف، فهذا ليس وقت حرية الرأي. اذن ليكن، ولكن هل لنا أن نتحدث عن نفاقنا السافر ومواقفنا مريضة التناقض؟ طبعاً التخندق الشعبي بشكل عام في المواقف واضح لا يحتاج لدليل أو برهان، شيعة الخليج مع ثوار البحرين ضد ثوار سوريا، سنة الخليج مع ثوار سوريا ضد ثوار البحرين، شيعة الخليج مع ثورة اليمن، سنة الخليج مع ثورة ليبيا، وهكذا، وذلك على الرغم من أن لا حكومة سوريا ولا ثوار اليمن منتمين فعلاً للمذهب الاثنى عشري بانتشاره الخليجي ولا حكومة ليبيا ولا ثوار سوريا سنيي المذهب بأغلبيته الخليجية، يعني الموضوع عبط، و”قصر ذيل يا أزعر” بصراحة يعني وبدون زعل.
أما التناقض والنفاق الحقيقيين فيتجليان في المواقف الحكومية، اذا كانت المسألة هي خوف من “انتشار صفوي” في الخليج، أوليس حزب الله أكبر خطورة وأقوى تأثيراً حتى في الخليج من الحوثيين الذين كانوا والى وقت قصير الحلقة الأضعف في اليمن؟ لم لا تتوجه القوات الخليجية الرادعة لتواجه الحزب، أو حتى أبعد من ذلك، لم لا تواجه هذه القوات “الصفويين” في عقر ديارهم فترسل قواتها باتجاههم وتغلق سفاراتهم وتعلنها حرباً على “رأس الحربة” بدل من التطبيش في “فلولها” المنتشرة هنا وهناك على حد الادعاء، أم أن “أبوي ما يقدر الا على أمي؟” واذا كانت المسألة هي ردع معارضة فاسدة، بغض النظر عن مذهبها، فهل هناك معارضة “نقية” في الخليج والشرق الأوسط يمكن امتداحها ومساندتها بكل ثقة وأريحية؟ معارضة الكويت مثلاً المثقلة بفساد رموزها أم المعارضة المصرية المبتلية باخوانها أم المعارضة اللبنانية المهمومة بحزبها الذي صنع دولة داخل دولة أم المعارضة السورية المصابة بمتطرفيها أم المعارضة البحرينية التي انصبغت لاحقاً بصبغة طائفية أم المعارضة العراقية المحملة “بفلول” الماضي؟ أي معارضة كانت صافية تماماً يحق لنا الافتخار بها؟ ولم هي معارضة الحوثيين التي توجهت اليها قواتنا الخليجية تحديداً “لتطيرها” في “عاصفة الحزم”؟ لم هي أكثر خطراً من بقية المعارضات؟ وكيف يحق لدول الخليج مثل هذا التدخل في الشأن اليمني ولكن ليس في الشأن اللبناني مثلاً؟ وكيف أصبح التدخل بقتل الانسان اليمني المعارض مقبولاً عوضاً عن التدخل للاصلاح واجلاس الجميع على طاولة حوار خصوصاً وأن تهميش الحوثيين التاريخي ومعاناتهم الممتدة هي حقائق لا ينكرها أحد؟ والأهم، لم لا نستطيع استنكار ضرب المتظاهرين الحوثيين مثلما استنكرنا ضرب المتظاهرين السوريين مثلاً، والبحرينيين والمصريين وغيرهم انطلاقاً، على الأقل، من موقف مضاد للعنف؟ أسأل حقيقة، ما هو ذاك المنكر المستنكر حول الحوثيين تحديداً يجعل من الاعتراض على اراقة دمائهم خيانة؟ فحتى الاعتراض على ضرب المعارضة البحرينية التي اتهمت باتهامات مماثلة لم يلق مثل هذا الرد فعل الحكومي والاعلامي، فما هو السر؟ هل هؤلاء اليمنيين “الزيديين” هم “صفويين” زيادة شوي؟ 
كل حرب حولنا تخلق حرب أخرى في الكويت، نتناهش نحن بشكل مثير للدهشة والتقزز، متجاهلين خطورة الوضع الاقليمي المعلبين نحن فيه. وعوضاً عن تحصننا بالعقل والمنطق، نكشف نحن ظهورنا بطائفيات وعصبيات ستقضي علينا قبل أن تصل نار الحروب الينا. ان الاختلاف في الرأي حول الأحداث متوقع، ولكن اسلوبه ودوافعه مخزيين، وأما نتائجه، فهي الجحيم الذي سنحترق جميعاً فيه.     
آخر شي: أخبار عن سقوط ضحايا في الجانب السعودي بعد المئات من الضحايا في الجانب اليمني، وهكذا يكرر التاريخ نفسه، عرب ومسلمون يقتلون عرب ومسلمين، عندنا، لا يتغير شيئ أبداً.
د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب