كتاب سبر

رسالتي إلى أهل اليمن

أصابتني دهشة وأنا أرى حزب الله اللبناني ينظم مظاهرة تضامن مع شعب اليمن.. هذا الحزب الغارق في وحلي التقتيل القائم في العراق وسورية، مشغول جدا باليمن، ورئيسه يخرج للمرة الثالثة ليتحدث عن اليمن في ثلاثة أسابيع، وهو الذي لم يفعل هذا في حرب غزة التي استمرت قرابة الشهرين! 
هنا أدركت وأنا عارف بما ورائيات موضوع اليمن أن طهران لن تكترث ولو احترق اليمن من أقصاه لأقصاه وصار ركاما كما القصير أو حمص.. أو قبورا مبعثرة كتكريت، أو مدينة مهدمة كما هو المتوقع للموصل، وكما هو يجري في الرمادي!
هنا تذكرت اليمن الذي عرفته لمحات في زيارات قصيرة، الجبال الشماء الشامخة، الصخور الصلدة يملؤها العقيق.. التراب الرطب غني بالخصب.. الرمال الكثيرة تعانق الأحلام.. الشعب الطيب الودود المتكل على رب غفور رزاق، وتذكرت حديثا كان يرن في أذناي كل لحظة وأنا أعيش الانبهار في وطن العرب الأول.. حتى لكأني أسمع سيد الخلق وهو يقول: اللهم بارك لنا في شآمنا.. اللهم بارك لنا في يمننا.. وهو الدعاء الحصري للمصرين، فوق ما قاله الله بذاته جل شأنه عن فلسطين.
تذكرت المكلا.. وإب وصنعاء وصعدة وعدن والحديدة.. تعز.. الجبال السهول التخوم انسدادات الأفق وانفتاحاتها على السماء الصافية.. تذكرت قلوبا مغسولة بالابتسام الدائم.. التفاؤل يهز عروش السأم لمجرد كسرة خبز بغموس بسيط، ووجدت أن من حق اليمن علي كعربي وليس لاستنهاض همة الجواب شيء مثل القذف بثقل السؤال.. والأخيار يعرفون الجواب بفطرة إخلاص السؤال:
ما الخيار الذي يدعو له علي عبدالله صالح وأنصاره؟
أدولة يمنية على تناقض مع السعودية؟
أدولة معادية تماما للسعودية؟
لأجل ماذا؟
وما مكسب اليمنيين من هذا؟
هل تتخيلون دولة بمساحة نصف مليون كيلو متر مربع وبحدود 2000 كيلو متر، وليس لها منفذ بري مع جارها الوحيد.. تقريبا؟
إلى ماذا سيقود هذا؟
خطابي موجه للشماليين تحديدا، لأن الجنوبيين ليسوا معهم تماما.. فما إمكانات الشمال إذا افترضنا حال عداء شامل مع السعودية؟
هل ستحررون جازان ونجران.. وكما يقول الحوثي الطائف!؟
هل ستعيدون بناء القبور المهدومة عند الكعبة كما يقول حسن نصرالله!؟
هل سيعمر علي عبدالله صالح لكم اليمن بأموال إيران!؟
ألا تعلمون أن إيران نفسها مفلسة وألا ترون شعبها يرقص فرحا لأن الغرب سيرفع عن بلدهم الحصار!؟
هل تنتظرون الجيش السعودي داخلا اليمن فتمزقونه عبر حرب عصابات!؟.. ثم تقومون باحتلال الرياض!؟.. وتستحوذون على نفط السعودية؟.. ثم تعمرون اليمن!؟
لقد قلنا لكم منذ اليوم الأول بأنه لا توجد حرب برية.. وهذا أمر لا يحتاج لا خبراء ولا من يرد على من يتمنون إخفاق السعودية في كوابيسهم، وليس هناك من حاجة لهذا أولا.. وليس من مغامر لهذا ثانيا.
إن السعودية كدولة قائد لهذه الحرب، ومعها كل طرف شريك، بل وأميركا الموافقة والراضية والمؤيدة.. كل هؤلاء لا أحد منهم لديه الرغبة ولا القرار ولا التوجه لحرب برية ولن يفعل ذلك أي طرف.
فهل يعجبكم تقسيم اليمن إلى شطرين!؟
هل تريدون بقاء السياسة القديمة بيمن منكفئ ضعيف ويخاف الجوار شره فأفضل شيء له الضعف!؟
هل نتحدث بلغة الخبث والكراهية؟
إن السعودية حققت هدفها.. ويد إيران في اليمن مغلولة وانتهى، ومن دون حاجة لدخول اليمن.. فهل يعجبكم أن يبقى بلدكم ركاما من الدمار والخراب؟
هل مصلحة اليمن بحروب ونزاعات مع الجنوب على الحدود.. فنرى هذه الدولة تسلح الشمال، وتلك الدولة تدعم الجنوب؟.. هل هذا الخيار والذي يتبناه كثيرون، ونرى الأحداث تقود إليه هو خيار عاقل؟
إن كل منصف يرى أن اليمن يحظى الآن بأعظم الفرص من هذه الحرب، والسعودية ومعها كل التحالف وخصوصا الخليج، ملزمون أخلاقيا بإعمار اليمن، وبناء بلد جديد يكون حليفا بكل معنى الكلمة، فما هي مصالحكم كيمنيين بما يريد حسن نصرالله أن يثبته بأنكم أنتم القبائل وأصل العرب.. والسعودية رعاع والأقل أصلا منكم!؟
هل إيران حريصة على مصلحة اليمن أكثر من السعودية؟
كم مدرسة بنت إيران في اليمن؟.. كم مستشفى؟.. كم مشروعا تنمويا لإيران في اليمن؟
وإذا كان نموذج إيران يعجبكم وتتمنونه.. ألا تنظرون لحال العراق؟.. ألا تنظرون لحال سورية؟.. ألا تنظرون لحال لبنان حيث دولة داخل دولة؟
أيها اليمنيون الشماليون أين عقلكم؟.. يا شيوخ القبائل أين هي الحكمة اليمانية؟.. أو فلتذهب الحكمة وكل العظات إلى الجحيم.. أفلا يرى الإنسان مصلحته؟
أيها الشماليون الذين ما زال بعضهم يرى الحق بالوقوف مع صالح والحوثي.. تبا لكم ما أغباكم وما أضيق آفاقكم.
بقيت كلمة أحتاج أن أقولها: أقسم بالله العظيم أني لا أحب السعودية أكثر من اليمن.