أقلامهم

شهران… وينحل!!

ما إن انتهت الانتخابات البرلمانية الكويتية وأعلنت الأرقام واعتمدت الأسماء، حتى غرق المواطنون في تحليلات نتائجها وحسابات الربح والخسارة، التقدم والتراجع، النجاح والسقوط واستشراف التحولات والتحالفات الجديدة المحتملة.

بعد كل هذا الزخم من الفاعلية المجتمعية والحماسة الوطنية والمشاركة الشعبية، تُحلق اليوم فوق رؤوسنا غربان التوقعات السلبية بترديد الكثيرين لهذه العبارات وأشباهها:

«مجلس الأمة لن يستمر»

«أيام البرلمان معدودة»

«شهران أو ثلاثة وينحل المجلس»؟!!

تشاؤم وإحباط مبكران بعد فرحة عارمة وارتياح عام بنتائج الانتخابات، وقد وجد فيها الكثيرون رافعة وطنية جديدة تبعث الأمل بالإصلاح في نفوس مهمومة محزونة، ولو بخطوة واحدة إلى الأمام؟

والسؤال الخطير الذي يتبادر إلى الذهن عند التأمل عميقاً في استسهال هذا التوقع واستمراء هذه النهايات للمجالس النيابية:

هل تأكد في حس المواطنين ووعيهم هذا التلازم المحسوم بين صعود المعارضة القوية وحل البرلمان؟!!

وإذا كانت هذه النتيجة مؤكدة وحتمية، فلماذا يتم تكليف الشعب من الأساس العنت والعناء، وتحميله مسؤولياته الوطنية وحثه على التفاعل والنزول والتصويت من أجل التغيير؟!!

نعم، لابد من وقفة جادة لتحليل وتفسير هذه الظاهرة الكويتية من زوايا متعددة على الأصعدة النفسية والاجتماعية والعقل الجمعي، والكشف عن سر هذا اليقين لشريحة عريضة من أبناء الوطن في توجهات وإجراءات القرارات العليا بحل المجلس بغض النظر عن تداعياتها وانعكاساتها الكثيرة المحلية والاقليمية.

ألا ينطوي ذلك الشعور بأن المجلس (شهران و ينحل) على مخاوف وظنون تنتهي بفصام نكد يصل حد الكفر بمفهوم حق المواطن بالاختيار وإيصال من يمثله؟، ثم نستهجن ارتفاع معدلات العزوف عن المشاركة في العملية السياسية!!

إنني أجزم بأن من أسوأ النتائج التراكمية لهذه القناعة السلبية، هي دفع المواطنين للتمركز حول (الأنا)، أي مصلحة الذات اللحظية المضمونة، بقطع النظر عن خسائر الوطن والضرر المحتمل على أمنه ومستقبله.

إن تتابع مباغتة البرلمانات الندية بقرارات حلها، سوف تُزهد الناس بمفهوم إدارة الدولة ليحل مكانها «سلطة» العشيرة أو العائلة أو رأس المال السياسي، ناهيك عن تكريس الانتماء إلى الـ(نحن) الفئوية الضيقة المغلقة ومصالحها الخاصة.

سوف يؤدي ذلك إلى تشجيع خلق المزيد من الكيانات السياسية الانتهازية، التي لا تقوم على برامج إصلاح حقيقية ولا تفكر إلا بما يحقق مكاسبها الذاتية بصرف النظر عن أي اعتبارات ولو كان ذلك على حساب البلد وحساب حقوق وحاجات الشريحة الأعرض من كل أطياف وشركاء الأرض!

إن مافيات الخراب المتوارية في الظل والممسكة بخيوط اللعبة والعارفة بفنون المراوغة والمناورة السياسية وحدها المستفيد من هذا الشعور السلبي المتنامي المغلف بالسخط، من تداعيات شرعنة فض المجالس وربما المجلس الجديد، بهدف تهيئة الساحة لمجالس مستأنسة لا هدف لدى أعضائها سوى تحقيق المكاسب الذاتية ولو على حساب الوطن وحقوق المواطن، ليتولد تالياً واحداً من أكثر الهواجس إيذاءً لنفسيات الشعب الكويتي بل وكل الشعوب، هاجس الخوف على مكونات الدولة المستقرة وتجربتها الدستورية وسلطاتها الثلاث.

إن المحصلة النهائية لهذا المسلسل المتكرر والسيناريو الممل من الضيق ذرعاً بالنواب الوطنيين الجادين ومن ثم حل البرلمان وإعادة تشكيله من جديد، ثم حله ورجعته دواليك، لتفويت الفرصة على كشف ومساءلة ومحاسبة وإقصاء المفسدين، محصلة مرعبة ومدمرة ومخيفة على جيل اليوم والأجيال القادمة، ويكفي فتكاً بنسيجنا الاجتماعي وبنائنا النفسي ترويج البعض لمصطلح (الدولة المؤقتة) الذي يتداوله بعض مكرسي نهج الإفساد السياسي لتزهيد الناس بالكويت كوطن جامع ومظلة نحتمي بها من نوائب الدهر.

أدعو عقلاء بلادي من قيادييه وأصحاب القرار لاستئصال مثل هذه الأفكار الظلامية من عقول وقلوب الكويتيين كي لا نصل إلى مرحلة الألم على استقرار بأيدينا أضعناه.