أقلامهم

مصر.. درس إبراهيم عيسى

إبراهيم عيسى صحافي مصري شهير أجاد الكتابة الصحافية لسنوات كما أجاد الحديث المنفرد للتلفزيون في برنامج يحمل اسمه، في أسلوب انفرد به الإعلام المصري دون سواه في العالم ويتمثل في جلوس الصحافي ليحاضر في خلق الله في كل شيء، مع أن هذا ليس من مهامه المهنية إذ إن الصحافي ليس خطيب مسجد ولا مرشد الأمة.

على كل، هذا ليس موضوعنا، ولا موضوعنا كذلك محاكمة عيسى على آرائه ومواقفه السياسية فهذا ليس شأننا كما أنه حر في ما يقول ويعتقد. لا شيء من ذلك يقلل من قيمة عيسى المهنية والفكرية، صحافيا جريئا وروائيا جميلا ومتحدثا لبقا وآسرا. ما يهمنا هنا فقط هو أن ابراهيم عيسى الذي كان ناقدا شرسا لحكم مبارك ثم لحكم مرسي كان من بين أولئك الذين وقفوا مهللين لانقلاب عبد الفتاح السيسي بل وكان أول من جلس معه في حوار تلفزيوني ليقدمه للناس مرشحا للرئاسة التي قال يوما ما، وصدقه المغفلون، إنه زاهد عنها. لكن عيسى وقد بدأ ينتقد تدريجيا حكم السيسي وجد نفسه الآن خارج الشاشة مرة واحدة فالريس لم يستطع تحمله ولو لسنوات قليلة كما تحمله مبارك، أو لسنة واحدة فقط كما فعل مرسي.

إبراهيم عيسى أعلن بنفسه أنه أوقف برنامجه الذي يقدمه منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015 أربع مرات في الأسبوع بسبب تعرضه لــ «ضغوط» وأنه «يتقبل أن تكون هذه اللحظة مناسبة للتوقف عن تقديمه»، فيما قالت قناة «القاهرة والناس» التي تبثه أنه «تقدم باعتذار إلى إدارة القناة معربا عن رغبته في عدم الاستمرارفي تقديم برنامجه (…) وتطلعه إلى التخفف من بعض أعباء العمل للتفرغ والتركيز على مشروعاته الكتابية والابداعية في الفترة المقبلة».

السذج فقط يمكن أن يقبلوا بهذه الرواية، وعلى كل لا يبدو من بين هؤلاء زملاء إبراهيم عيسى نفسه الذين يقدمون هم أيضا برامج تلفزيونية لم تتوان أبدا في التطبيل للسيسي وسياساته لكن الرجل بدا كمن لا يقبل منهم أبدا أي نشاز أو خروج عن النص حتى وإن كان مدروسا أو للتمويه أو للتنفيس عن الناس… لا شيء من ذلك بات مقبولا الآن في مصر. هؤلاء ارتعبوا مما حدث مع عيسى كالعروس التي ارتعبت من ذبح العريس القطة ليلة الدخلة، على ما يقول المثل الشعبي الشهير.
لا فائدة في استعراض ما تقوله منظمات حقوق الانسان وحرية الصحافة في العالم عن مأساة الصحافيين المصريين والأجانب تحت حكم السيسي فتلك طبعا في عرف جماعته «منظمات مأجورة ومتواطئة مع الإخوان المسلمين وتمولها قطر». لهذا سنستعرض بعضا مما قاله مقدمو البرامج في التلفزيونات المصرية أنفسهم، جادين أو ساخرين، ممن اشتركوا وما زالوا في عشق النظام الذي باتوا مع ذلك يخشون أن تدوسهم عجلاته، كما داست عيسى ومن قبله المأسوف على طلته الطريفة توفيق عكاشة. يقول هؤلاء…
لميس الحديدي: «عندي إحساس أننا عايزين نسمع صوت واحد، الناس تصفق بطريقة واحدة وتتكلم بطريقة واحدة (…) إحساسنا بالضيق يزداد يوما عن آخر ولست متأكدة إذا كنت سأتواجد على الهواء غدا».
خيري منصور: غياب برنامج إبراهيم عيسى «خسارة كبرى للإعلام ومؤشر سلبي لمستقبل الحرية في مصر».
شريف عامر: «الآن وقد توقف برنامج إبراهيم عيسى، نتمنى أن تستقر الأسعار وينكسر الدولار ويعم الرخاء والاستقرار»..
كثيرون سيشمتون لا محالة في «أبو حمالات» كما يوصف إبراهيم عيسى عند بعضهم، وقد يكونون متلهفين لغياب آخرين ممن ذكرنا الآن، وممن لم نذكر من قبيل.. «الواد» فلان و»البت» فلانة، ولكن الأجدى هو استخلاص العبرة : الصحافي الذي يطبل لدكتاتوريات فرضت نفسها على الناس بالقوة وأجهضت تجربة جميلة في الانتقال السلمي الديمقراطي لن يكون أبدا في مأمن من بطش هذه السلطات عندما تستتب لها الأوضاع ولا يعود بمقدورها أن تتحمل حتى زقزقة العصافير.
كلمتان في النهاية… ردا على كلمتين…
تقول لميس الحديدي إنها «مجهزة بيان استقالتي من الآن وحتفرغ للخياطة وشغل المنزل واشتغل تريكو لو متضايقين من أسئلتي»… وأنا أقول: هذا ما سيحصل على الأرجح سيدتي!!
و يقول إبراهيم عيسى «أترك مساحة التعبير التلفزيوني لمرحلة أخرى ووقتٍ لعله يأتي».. وأنا أقول: لو أتى في عهد هؤلاء… إبق قابلني!!