أقلامهم

نعم لدينا من يسرق ويشرب الخمر

كيف يمكن قبول تساؤل النائب محمد هايف الاتهامي: هل منا من يسرق أو يشرب الخمر حتى يرفض تطبيق الشريعة؟! مثل هذا الافتراض الذي يريد به النائب ومن معه من النواب الإسلاميين أن يحشر بزاوية المختلفين معهم حول إضافة التعديل للمادة 79 من الدستور (عدم تشريع أي قانون ما لم يكن متفقاً مع الشريعة)، بما يعني أن عدم البصم مع أصحاب الاقتراح سيفهم منه أنهم مع السرقة ومع شرب الخمر، وأنهم آخر الأمر ضد الدين، بمثل هذا المنطق الذي يفترض الإدانة المسبقة للمختلفين يريد نواب التعديل تمرير مشروعهم الديني، والذي يضع أسس الدولة الدينية المستبدة المتطابقة تماماً لحلم الدولة الإسلامية (داعش).

ماذا يعني إن رفضنا تطبيق الحدود الشرعية التي اختصر أصحابها العقيدة الدينية بها، وجهرنا بالقول: نعم لدينا ومنا من يسرق ومنا من يشرب الخمر، ونرفض تماماً أن يقطع يد الأول وأن يجلد الثاني، أو أن تقطع رقبة الملحد، فلسنا اليوم في مجتمع المدينة ولا في العهود الإسلامية الأولى، الزمن تبدل وتغير، ومفاهيم الفكر الإنساني “هيومنتي”، أضحت جزءاً أصيلاً من الهوية الإنسانية العالمية مهما بعدت عنها أنظمة الحكم العربية أو حشرتها في دساتيرها رياء ونفاقاً للشكل الحداثي، وتلك المبادئ تحرم العقوبات الجسدية بكل صورها، فهي من ناحية لم تعد ملكاً خالصاً قاصراً للغرب الاستعماري، ومن ناحية أخرى، لا يمكننا تأكيد هوياتنا الوطنية وتراثنا الخاص واختزاله بالحدود الشرعية، أي الشريعة التي يريد مثل هؤلاء النواب فرضها على الناس.

ماذا يريد هؤلاء النواب؟، يريدون أن يقيموا حد السرقة مثلاً على من يسرق “المنقولات”، أما سرقة الأموال العامة وسرقة الأراضي والنصب وخيانة الأمانة واستغلال السلطة و(الإيداعات أو التحويلات) فلا حد لها، وإنما تدخل في باب التعزير… تلك أمثلة بسيطة على تغير الزمن الذي يرفض طالبو التعديل أحكامه، ويصرون مكابرين على دفع واقع هذه الدولة بما هو عكس الواقع الزماني، حتى يخرج علينا هذا المسخ الحضاري.

لا أحد يذكر لحزب الإخوان حين وصل إلى الحكم في مصر أنهم تقدموا لقلب منظومة القوانين، بل قبلوا بالتعددية والدولة المدنية وحقوق الأقليات، وإذا كانت هناك مطالبة بأن تكون الشريعة مصدراً للقوانين، فهي تعبير عن رغبة الأجواء المحافظة العامة، وليست تعبيراً عن مطلب الدولة الدينية، مثلما ذكر الباحث والوزير الأردني السابق مروان المعشر في كتابه “اليقظة العربية الثانية”، فلماذا يختلف الأمر هنا؟!

نذكر المواقف المبدئية للنائبين محمد هايف ووليد الطبطبائي ومعهما عدد من النواب الإسلاميين في قضايا سحب الجناسي والأموال العامة وسجن المعارضين، حين عبروا بنقد الإدارة، وتلك المواقف المبدئية العادلة لم تكن من أولويات عدد من كتاب الرأي أو قلة من نواب يصنفون في الزاوية العلمانية الليبرالية أو “نيولبرال” الذين من خشيتهم من الإسلاميين اصطفوا بحماقة مع السلطة في ممارستها أو سكتوا عن تجاوزاتها حين مست أبسط مبادئ حقوق الإنسان، فقد نجحت السلطة هنا وقبلها في معظم الأقطار العربية حين صدقوا دعايتها: إما أنا أو الإسلاميون، وكأنها بذلك تقول لهم أنا أهون الشرين.

لكن حتى مع هذه المواقف المبدئية السابقة لعدد من النواب الإسلاميين بحد ذاتها لا تسوغ لهم أن يحددوا حريات الضمير كما يريدونها ويرسمون تخومها بنقد السلطة الحاكمة فقط، أما غير ذلك فلا حريات غير التي نُصّ عليها في مدونتهم الفكرية وحددت بتفسيراتهم للتراث الديني، فيطيح بمبدأ حرية الاعتقاد وما يتفرع عنه من مبادئ دستورية، بحجة أن هذا دين الدولة كما يقول الدستور…

مثل هذا الموقف الازدواجي للحرية الذي لا يختلف في مضمونه عن موقف “ليبراليي السلطة” الصامتين عن تجاوزاتها، هو ما يجب رفضه ونقضه، فلتكن الأمور واضحة.