آراؤهم

رأس المال والاستحمار

وضعت الفيلسوفة حنه آرنت جملة مهمة في تحليلها لطبقة البورجوازية في كتابها ” الإمبريالية ومعالم الابادة والعنصرية والشمولية، هي كالتالي:
” انهم يضعون ببساطة جنبا إلى جنب مجموع الحياة الخاصة و أنماط التصرفات الفردية ويقدمون هذه المجموعة بمثابة قوانين”.

بمثابة قوانين للمجتمع، وهي أعمق جملة تقرأها، لان من يتحكم بالرأي العام هو الاعلام ومن يتحكم بالاعلام هم رؤوس الاموال ومن يتحكم برؤوس الاموال هي مجموعة من الافكار والقناعات والانماط السلوكية تتحكم بها “أهواء النفس”، لذلك أتى علي شريعتي في كتابة النباهة والاستحمار ليدلل بمستوى سياسات عالمية، على أن المشروع الامبريالي التوسعي للغرب يفرض مجموعة قواعد سياسية اقتصادية و سلوكية للمجتمعات المختلفة تحت ما تُعرف “سياسات العولمة” ، فمن خلال التوسع الاقتصادي، تتوسع النفوذ وتتوسع معها القدرة على التأثير في ثقافة مجتمعا ما، وتعمد على عدم الاكتراث لنباهة الإنسانية والنباهة الاجتماعية، فالمجتمع الذي لا يتحلى بتلك الصفتان سيكون مهندسها مصلحاً ومجمعا للآلات الغربية، ويقع المجتمع تحت رحمة ” الاستيراد الغربي” لا الاختراع والتصدير،
ويبقى المجتمع تحت تأثير الطبقة التجارية في المجتمع الغربي. فترى الطبقة الامبريالية تترجم أفكارها وأهوائها الى قواعد عامة للمجتمعات، فترى كايتي بيرك، رئيسة “ديزني” تدعم الشواذ وتقرر زيادة محتوى الشواذ لان أبنائها ” شواذ ” وهذا فيضٌ من غيض من أمثلة كثيرة لا تنتهي، تبين قدرة اصحاب النفوذ على ترجمة سلوك شخصي الى ثقافة مجتمعية وتأصيلها بالمجتمع مهما كان الثمن.

ترى بالمقابل الاخر، مجموعة “الاستحمار” التي وصفها علي شريعتي، بالدفاع عن كل ما هو غربي واستنكار ثقافة بلدهم تحت شعار ” التحرر ” والدفاع عن المسيح ومناسباتهم والهجوم على دينهم تحت شعار ” قبول الاخر”. او المناداة ” بحقوق الشواذ” والدفاع عنهم تحت شعار ” التعددية وحقوق الإنسان”. هم بالحقيقة تُبع للغرب يعانون من حالة نقص شديدة اتجاه هويتهم الثقافية و تقزيم أنفسهم أمام الغرب. فلا مانع من التحرر من العادات البال والتقاليد السيئة و بالايمان بالتقبل والتعددية وحقوق الانسان لكن تحكيم العقل واستخدامه مطلب لا الانصياع الاعمى لكل ما هو غربي.

تلك السلوكيات هي قطعا لم تأتي من العدم بل أتت من نتائج “سياسات الامبريالية” على سلوكيات وثقافة الشعوب الاخرى، فقدرة رأس المال كبيرة على التأثير وخلق حالة من التغيير والتحكم وما المجتمع الا المتأثر من هذا التأثير، لأن طبيعة الافراد في المجتمعات الرأسمالية منعزلة، متفككة، تميل الى الانانية، لا يفكر احد بأحد، فبالتالي فمن السهل التحكم بأراء الافراد بالمجتمع، اما المجتمعات التابعة فهي مجتمعات منبهرة ساذجة مستحمرة على حد قول شريعتي أمام امكانيات وقدرات العملاق الغربي.

علي الغتر