أقلامهم

‎القائمة طويله ليس آخرها حسني وزين العابدين لكنهم سيتمسكون حتى الرمق الأخير .. حسن العيسى يكتب عن انفراط عقد القادة العرب

حسن العيسى

الأخ الأكبر الي متي ؟

قلع «الأخ الأكبر العربي» من عرشه في تونس، وفي مصر، لكنه يتشبث ويعض على كرسي الحكم بالنواجذ في ليبيا وفي اليمن، ولو نزف الشعبان الليبي واليمني حتى آخر طفل متظاهر. بقية الدول العربية مازال «الأخ الاكبر» فيها يحيا متربعاً على العرش بأمان تحت حراب مصالح استراتيجية نفطية وأمنية للدول الكبار، فهي– تلك الدول الغربية- تفتح عيناً على بعضنا وتغمض الأخرى عن أخينا الأكبر مع بعضنا الآخر، لكننا إن لم نجد لها عذراً «في غض الطرف» فقد نجد لها التفسير وبعضاً من التبرير، فعالم السياسة هو علم الواقع والممكن بفلسفة «هوبز»، والمثاليات تترك للثوار الواهمين والحالمين والذين سينقلبون إلى واقعيين حين ترتخي عضلات مؤخراتهم على وسائد الحكم أو تختطف ثورتهم ليحل «الإخوان» الكبار على عروش الأخ الأكبر الوحيد. 

لا تتصوروا أن «الأخ الأكبر» هو عنوان مسلسل أجنبي أو تركي تهفو إلى بطله الوسيم قلوب النساء، هو مصطلح ابتدعه الصحافي والروائي الراحل الإنكليزي جورج أورويل في رواية بعنوان 1984 نشرت قبل وفاته بعامين في نهاية أربعينيات القرن الماضي، وقد اختلفت ترجمة عنوانها في بعض اللغات. الأخ الأكبر يراقبك أينما تذهب كما كانت عيناه تلاحق بطل الرواية «ونستون» وهو يصعد سلم منزله في الدور السابع، وهو يئن من قرحة تنهش ركبته. يجلس ونستون وهو عضو عادي من الحزب القائد على كرسي ثقافة الحزب وعين الأخ الأكبر تراقب ليكرر مع رفاقه كلمة واحدة اسمها «كراهية» مرات ومرات دون تعب، كراهية لعدو الشعب، كراهية لامانويل غولدستين، وكان الأخير من قواد الثورة وأحد أعمدتها ثم اتهم بالخيانة من «الرفاق» ومن الأخ الأكبر واختفى عن الحياة، ربما قصد به العملاق أورويل المنشق تروتسكي، والدولة الشمولية هي روسيا سابقاً. إلا أن وصف عمليات غسل عقول أعضاء الحزب عبر البروباغندا الخاوية تملأ سطور الرواية، وتضج كلمات بها مثل «نيوزبيك» وتعني عند أورويل خطاب السلطة الخاوي الاستبدادي الخالي من المعنى والساذج في الفكر (صورته مطابقة لإعلامنا العربي الرسمي الحكومي وإعلامنا الخاص التابع)، ثم هناك الوزارات، مثل وزارة الحب المحصنة بأسوار عالية وهي المسؤولة عن الأمن، ووزارة الوفرة المسؤولة عن الاقتصاد… وتمضي الرواية في وصف حياة البائس ونستون في دولة «اوسنيا» العظمى، شعار «الأخ الأكبر يراقبك الآن» تجده في كل مكان، ينزل الرعب بقلبك إن أردت أن تعبر عن رأيك أو حتى تكتب بعض كلمات في السر، ونستون بدأ أول كلماته في دفتره الخاص بكلمة 1984.

نشرت الرواية بعد الحرب الكونية الثانية، وكان يقصد أورويل جل النظم الشمولية، لكنه حسب كلماته، وهو الاشتراكي الحر الذي حارب مع الاشتراكيين التروتسكيين في الحرب الأهلية الإسبانية، وأصابت رصاصة من فاشيستي فرانكو حنجرته، أراد بها روسيا الخارجة من الحرب، والتي كان ينظر إليها بقداسة من شيوعيي أوروبا وغير قابلة للنقد لا من هذه الأحزاب ولا من الدول المتحالفة معها في الحرب مثل إنكلترا، ورواية أورويل السابقة «مزرعة الحيوان» تنهض دليلاً على الخنق الفكري لها من وزارة الإعلام البريطانية لبعض من الوقت.

انتهى الأخ الأكبر تقريباً من أوروبا، إلا أن أشباحه المرعبة تهيم في سماء المنطقة تحمل صور صدام مرة والآن لها عدة أسماء وعدة أشكال تسعى، ليس حسني مبارك ولا زين العابدين آخرها، فالقائمة طويلة للأخ العربي الأكبر، فيها رؤساء وملوك وأمراء… وأخطرهم وأمضاهم اسمه التخلف الفكري والجهل الإنساني وغياب العقلانية… أحد إخواننا الكبار اسمه المجتمع الأبوي المتسلط، واسمه العادات والتقاليد المحنطة، واسمه الخرافات، واسمه الخوف من الجديد… أخوك الأكبر عدا أنظمة حكمنا الموميائية هو داخلك يحيا معك في أغوار جوفك واللاوعيك، ويكبر معك وأنت تهرم وتشيخ، أما هو فمثل صورة دوريان غراي لا يشيخ أبداً… هو يراقبك الآن فلا تتكلم ولا تكتب، عش بصمت في دول الصمت.