كتاب سبر

إمبراطورية الرخوم

لم أتعاطف يوماً ولا ليلة ولا أقل من ذلك ولا أكثر، مع القاعدة وضرائرها (بقية الْقَواعد اللَّاتي لا يرجون نكاحاً)، إلا عندما رأيت أخلاط “أم .. ريكا” يتنادون مصبحين إن افرحوا، واصرخوا، وتنفسوا، وعفروا وجوهكم بالفودكا “أمريكا قتلت بن لادن”..

رحماك يا مولانا، أمريكا صانعة المعجزات والخرافات، أمريكا أم الحريات وتمثالها العاهر.. بلد القاذفات والمقذوفات، وعابرات القارات والقابعات فيها.. أمريكا تلك البلد أو البلدان مجتمعة التي لا تستورد شيئا (على الإطلاق)، باستثناء البشر فهي تستوردهم وتوردهم المهالك (رئيسها مستورد من كينيا بدون كفالة)، تخرج علينا تتفاخر أنها قتلت رجلاً! ورجلاً عجوزاً!! أو شبه عجوز كما أنه طريد في الجبال والأدغال…!!.

ولو أننا غضضنا الطرف ورفعنا القدم عن فعلة “الرخوم” هذه لتمر، فسوف نتمكن أيضاً من غض الطرف، ولن نتمكن من رفع القدم عن بعض العربان أو “المسلمان كما تنطق بالأردية” الذين قلدوا الصيحة بصيحة مثلها، والفرحة بفرحة، والرقصة برقصة، وكأنهم “صدى صوت مع ضجة الناس”.. 

واكبح جماح خيالك- وأنت تسمع-، وامسح ناصيته، وامشط ذيله، وأطعمه شعراً ونعم العلف هو، ثم اربطه في معقل حسن الظن ليوم يطيشون يوم لا ينفع “حدس” ولا ظنون، ولا سلف ولا هم يحزنون .. فأنا أمقت منهج القاعدة الإجرامي الذي تبناه بن لادن، وكفله كما لم يُكفل يتيماً في هذه الدنيا، وأحتقر كل حرامي يسرق الفرحة من عيون الأطفال، ومعهم كل جوّاظ زنيم يطوف في الأسواق بحثا عن بهجة ليكتم نفسها، أو شمعة مضيئة ليطفئها، وكل جعضري يسيل لعابه لأي شيء يقترب من الأحمر ومشتقاته (مثل الحمير الحريم الرحيم وهكذا)، وكل من يضع الحق في جيبه الأمامي وبقية الحقوق في جيوبه الجانبية ليوزعها على خلق الله كما توزع العيادي، ولكنْ إذا كان بن لادن ابتعد عن الإسلام ودخل في حظيرة الخوارج المارقين كما يمرق سهم أرعن من قوس عقيم، فإن أوباما “إبنآخي” زيتونة المبشر بمقتله أشبه بدجاجة سوداء يستخدمه السحرة لفك الطلاسم والشعوذة علينا بجذور وعروق إسلامية.

ولو سألتني من هو أحق الاثنين بوصف جاهل يطن كالبعوضة (إزعاج بدون هدف) هل هو ذاك الذي شتم بن لادن في حياته حتى رآه الشيطان فضحك ناكصاً على عقبيه وسلم الراية إليه، أو هو الذي مدحه (شعراً) بعد موته بما لم يظفر بربعه خالد الترك والعرب، لقلت لك هم سواء .. في هذه الأحقية والعطية.

ولكنّ معنى الضجة التي قام بها الغرب بجميع أحجامه، وأشكاله، وألوانه، وقيمه السوقية، والورقية، أكبر من بن لادن ومنهجه الأرعن، وأكبر من عمامة الظواهري وخطبه الجوفاء، وأكبر من طنين البعوض هذا، لأنهم باختصار يعدون كل مسلم صورة زنكوغرافية من الآخر لا فرق عندهم بين المُنْحَلّ والمُعَقّد والمربوط نصف ربطة.

والقتل الذي طاروا فرحة فيه هو قتل رمزي .. ورمزي هذا ليس أسماً لرجل كما نفعل هنا، ولكنّه شيء آخر بعيد عن الرجال وعالمهم، وتأكيداً على رمزيته يقولون أنهم سيتعاملون مع جثته بحسب الشريعة، ثم يرمونها في البحر حتى لا تصبح مزارا … مساكين لا يعلمون أن ثلاثة أرباع المزارات التي تقدم لها القربان وتطوف بها الغربان في عالمنا الإسلامي هي لقبور فاضية، وحمير، وكلاب .. 

فيا صاحبي ارفع رأسك، وهات يدك، وردد معي ما قاله الليبيون “طز مرة ثانيه بأمريكا وبريطانيا”.

zaid_alfaleh@hotmail.com