أقلامهم

أحمد الديين يرى أن السلطة هي الخاسر الأكبر وليس نواب المعارضة من انسداد أفق العمل البرلماني

انسداد أفق العمل البرلماني!

كتب أحمد الديين

لعلّ انغلاق أفق العمل البرلماني أمام أي محاولة جدّيّة ذات أثر لإحداث إصلاح سياسي أو تغيير ديمقراطي هو أهم وأخطر النتائج المترتبة على العبث السلطوي المتواصل في الدستور؛ والإفساد المستمر للحياة السياسية، والتحصين المبالغ فيه لرئيس مجلس الوزراء تجاه المساءلة البرلمانية.

فماذا يمكن أن يبقى من إمكانات أمام العمل البرلماني في ظل الإهدار السلطوي لمبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية لنواب الأمة عما يطرحونه داخل قاعة المجلس وفي لجانه، بعد أن حدث ما حدث للنائب الدكتور فيصل المسلم الذي نُزِعت عنه حصانته من دون وجه حقّ؛ وأحيل إلى القضاء وصدر ضده حكم أول درجة على خلفية ممارسته دوره البرلماني المفترض في فضح الفساد؟!

وما هي أهمية أدوات الرقابة البرلمانية والمساءلة الدستورية للحكومة رئيسا ووزراء إذا كان مصير الاستجوابات مرهونا بقرار سلطوي يؤجل جلسات مناقشتها لمدد طويلة، أو يحيلها إلى المحكمة الدستورية أو اللجنة التشريعية والقانونية في المجلس لوأدها باسم الدستور واللائحة الداخلية؟!

وأي معنى يمكن أن يكون للدستور ونصوص مواده وإيضاحات مذكرته التفسيرية مع التمادي السلطوي في تكرار طلبات تفسير مواد الدستور وإعادة تفسير ما سبق أن تمّ تفسيره منها أو حتى ما سبق أن أُعيد تفسيره أكثر من مرة، وذلك إلى أن يُفرغ دستور الحدّ الأدنى من مضمونه الديمقراطي المحدود ويفقد ما تبقى من فاعلية أدواته الرقابية؟!

وماذا يمكن أن نتوقع أسوأ من ضرب أحكام المحاكم بعرض الحائط فيما يتصل بالنائب المحكوم في قضية يفترض أن تؤدي إلى انتهاء عضويته في مجلس الأمة؟!

وأي برلمان هذا الذي تتعطل جلساته العامة بإرادة حكومية منفردة؟!

وإذا أضفنا إلى ما سبق عدم عدالة توزيع أعداد الناخبين بين الدوائر الانتخابية، والإفساد المفضوح والمغلّف للعملية الانتخابية، والاستقطابات الطائفية والقبلية والفئوية التي تشوّه التصويت الحرّ في الانتخابات، والطابع الفردي المتزايد للعمل البرلماني وتراجع وزن الكتل النيابية والتيارات السياسية في المجلس، وفوضى الممارسات النيابية البائسة فإنّه من الطبيعي أن يثار التساؤل حول جدوى العمل البرلماني ودوره المنتظر في إحداث الإصلاح السياسي المأمول والتغيير الديمقراطي المنشود!

ومن ثَمَّ، ومن دون أي استنتاجات متسرعة، فإنّ المبادرة الشبابية العفوية للتجمع الأخير في ساحة الصفاة مساء الجمعة والمسيرة التي أعقبته، وما أبداه بعض الشباب بمَنْ فيهم شابات من انتقادات حادة للنواب الحاضرين، وهم من نواب المعارضة، قد تكون إشارات على تشكّل موقف جديد في ضمائر الشباب الكويتي وعقولهم لم يعد يعوّل كثيرا على العمل البرلماني الذي افتقد كثيرا من وهجه وقيمته… موقف جديد لم يعد يقبل بتسليم زمام القيادة والقرار في التحركات الشعبية والشبابية إلى النواب، مثلما كانت الحال في السابق!

وحتى لا يُساء الفهم، فإنّ الخاسر الأكبر من انسداد أفق العمل البرلماني ليس نواب المعارضة، مثلما قد يوهم بعض أعداء الديمقراطية أنفسهم، وإنما الخاسر الأكبر هو الطرف السلطوي الذي كان يستر ممارساته غير الديمقراطية بالغطاء الدستوري ويخفيها بالغلاف البرلماني، فيتذرع بأنّ هذا القرار السيئ أو ذاك إنما هو قرار الغالبية، وهذه أو تلك من ألاعيب السلطة إنما هي من قواعد “اللعبة البرلمانية”، حيث سيفقد الطرف السلطوي قدرته السابقة أو التي لا تزال ذات أثر، على استغلال مثل هذا التبرير الدستوري الديمقراطي البرلماني مستقبلا، وعندها سيتكشف واقع الممارسات السلطوية على حقيقته، وسيتقلّص التعويل على العمل البرلماني ويأخذ حجمه الطبيعي وحدوده الواقعية، من دون تجاهل أهميته النسبية، فيما سيُعاد الاعتبار بالضرورة إلى الأساليب الأخرى التي جرى تهميشها سابقا من العمل السياسي والجماهيري، لتستعيد زخمها وتأثيرها في عصر شعبي عربي مختلف… وحينها سيكون “اللعب على المكشوف” والنتيجة محسومة سلفا طال الزمان أم قصر..!