أقلامهم

عالية الخالد تخشى من أن تلقى ساحة الصفاة مصيرا مماثلا لبوابة الشامية، وأن يصبح استذكارها فقط عبر الصور

تاريخ يبكي 


عالية فيصل حمود الخالد


التاريخ في معناه البسيط عبارة عن تدوين لأحداث حقبة زمنية سابقة مرتبطة بمكان ما، يوثق أبرز ملامحها الحضارية بكل موضوعية وأمانة، سواء المعمارية أو المستندية، ويعمل على تدوين وتوثيق جميع الشواهد على هذه الحقبة الزمنية بكل الوسائل. لذلك نجد الاهتمام بمراكز التدوين والتوثيق والحفظ والاهتمام في علم الآثار سمة من سمات الدول المتحضرة، وعادة ما يكون التاريخ مصوناً ومحفوظاً من خلال قوانين، فلا يمكن لأي شخص أن يعبث به أو أن يغير شيئاً فيه أو حتى يقتطع منه جزءاً أو يلغي جزءاً، وهذا لكون التاريخ ملكاً للشعوب الحالية المعاصرة والقادمة، وهو من حق الإنسانية أجمع القاطنة على سطح الكرة الأرضية.
قوس النصر في باريس شيد في بداية القرن التاسع عشر في زمن نابليون بونابرت، وبرغبة منه ، ليكون شاهدا ورمزاً لانتصارات جيوش الإمبراطورية، وليحمل أسماء ستمائة وستين اسماً لقادة عسكريين، وستة وتسعين اسماً لمعارك انتصر فيها، وكان قوس النصر وقتها في موقعه يتوسط تقاطع خمسة شوارع رئيسية. بعد إنجازه بثمانية عشر عاماً ، ونظراً للتوسع المدني ثم إعادة تخطيط العاصمة الفرنسية على يد البارون هوسمان، ليكون القوس متوسطاً لسبعة شوارع رئيسية، إضافة إلى الخمسة شوارع السابقة، وبعد الحرب العالمية الأولى أضيف إليه قبر الجندي المجهول في أسفله.
قوس النصر ما زال قائماً ليومنا هذا شاهداً على تاريخ عريق وعاصر تطورات وتوسعات معمارية زمنية كثيرة، ولكنه لم يمس، لإدراك الشعب هناك بأهميته التاريخية لبلاده.
دوار الجهراء (الشيراتون) في الكويت، والمتضمن إحدى بوابات سور الكويت (بوابة الشامية)، اختفى بعد ستين عاماً من الوجود والشهرة، اختفى وكأنه معلم لم يكن. كيف لنا أن نبني تاريخ دولة إذا كنا نمسح معالم دولتنا بكل بساطة، ونقتطع إنجازات أفراد ومؤسسات من دون إدراك؟ كيف لنا أن نتذكر الماضي وأن نتخيله إن كان الشق المادي الملموس منه غير موجود أو مشوهاً، كيف لنا أن نشرح لأبنائنا تاريخ دوار الجهراء والدوار غير موجود إلا في الصور؟
ساحة الصفاة هو المشروع التالي للتجديد، فهل ستكون حاله حال دوار الجهراء؟ هل سيكون استذكاره من خلال الكتب والصور إذا ما طمست البقية القليلة الباقية من ملامحه الحالية؟
نحن ندين للكويت وتاريخها بالاعتذار، وندين لأجيالنا القادمة وأبنائنا باعتذار أكبر لعدم قدرتنا على المحافظة على تاريخنا وبنائنا له.